أزمة الأمم المتحدة والنظام المتعدد الأطراف في أثناء تراجع أميركا وصعود الصين
تقييم حالة 30 ديسمبر ، 2025

أزمة الأمم المتحدة والنظام المتعدد الأطراف في أثناء تراجع أميركا وصعود الصين

عائشة البصري

باحثة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. دبلوماسية سابقة في منظمة الأمم المتحدة، وشغلت عدة وظائف إعلامية في إدارة الشؤون الإعلامية في الأمم المتحدة بنيويورك، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في السودان، وبعثة يونامي السياسية في العراق، وبعثة يوناميد لحفظ السلام في دارفور، وصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية. تتركز اهتماماتها البحثية على عمليات السلام للأمم المتحدة والدراسات الأفريقية. حاصلة على شهادة الدكتوراه في الأدب الفرنسي، من جامعة سافوي الفرنسية. وحاصلة على جائزة رايدنهاور لكاشفي الحقيقة لسنة 2015، لتبليغها عن مخالفات الأمم المتحدة في دارفور.

​​​ أصبحت صدقية الأمم المتحدة على المحك في سياق تغيرات النظام العالمي، ومع ازدياد الحروب والنزاعات عبر العالم، وتفاقم التنافس بين القوى العظمى، فضلًا عن مواضع خلل بنيوية، لا سيما معضلة حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ويُضاف إلى هذه التحديات أزمة مالية حادّة تواجه المنظمة؛ فقد بلغت المتأخرات في المساهمات الإلزامية للدول الأعضاء ما يناهز 1.6 مليار دولار أميركي. لمجابهة هذا الوضع، اقترح الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، خفض الميزانية العادية للمنظمة بالنسبة إلى عام 2026 بنحو 600 مليون دولار؛ وهذا الخفض يترتب عليه تقليل عملها وتراجع قدراتها في مجالات مختلفة[1]. وتندرج هذه الخطوة في مبادرة الإصلاح "الأمم المتحدة 80" التي أطلقها الأمين العام في آذار/ مارس 2025، من أجل خفض الإنفاق وتحسين كفاءتها.

ترتبط هذه الأزمة المالية أساسًا بالولايات المتحدة الأميركية، باعتبارها أكبر مموّل للأمم المتحدة، ولكونها أدّت طوال عقود دور الضامن للنظام المتعدد الأطراف Multilateralism الذي أشرفت على تـأسيسه؛ إذ شكّل دعمها السياسي والمالي عنصرًا محوريًا في أداء المنظمة. لكنّ هذا الدور تراجع كثيرًا، خلال الولاية الثانية لإدارة الرئيس دونالد ترمب؛ إذ عادت واشنطن إلى الانسحاب من عدة وكالات واتفاقيات تربطها بالأمم المتحدة، بالتزامن مع تخفيضات مالية واسعة النطاق أثّرت مباشرة في عمل المنظمة، بما في ذلك عمليات حفظ السلام. يقوّض هذا التراجعُ النظامَ المتعدد الأطراف الذي تجسّده الأمم المتحدة، ويضعف قدرتها التشغيلية، ويحدّ كذلك من الدور القيادي للولايات المتحدة، ويطرح سؤالًا مفاده إنْ كانت واشنطن تشرف حاليًا على تفكيك النظام الذي أشرفت على تأسيسه. وبينما يؤدّي هذا التراجع الأميركي إلى فراغٍ قد تستغله قوى أخرى، تتجه الأنظار إلى الصين التي تدافع عن الأمم المتحدة والنظام المتعدد الأطراف، وخصوصًا بعد أن أصبحت ثاني أكبر مموّل للمنظمة بعد الولايات المتحدة. غير أن تأثير الصين المتنامي داخل منظومة الأمم المتحدة لا يُبرز رغبة واضحة في سدّ فجوة التمويل التي نجمت عن التراجع الأميركي؛ وهو ما يثير تساؤلات عن طبيعة النظام المتعدد الأطراف الذي تصرّ بيجين على الدفاع عنه.


[1] “Secretary-General's Remarks to the Fifth Committee on the Revised Estimates UN80 Relating to the Proposed Programme Budget for 2026 and the Support Account for 2025/2026,” Statement, UN Secretary-General, United Nations, accessed on 11/12/2025, at: https://acr.ps/1L9BPpE