العنوان هنا
مراجعات 24 مايو ، 2021

مراجعة كتاب: "الجيوبوليتيك الكونفوشيوسي: تصوّرات الصين الجيوبوليتيكية للحرب الأميركية على الإرهاب"

كمال بوناب

​أستاذ العلاقات الدولية، قسم العلوم السياسية، كلية الحقوق، جامعة عنابة، الجزائر.

عنوان الكتاب في لغته: Confucian Geopolitics: Chinese Geopolitical Imaginations of the US War on Terror.

المؤلّف: نينغ أن Ning An .

الناشر: Springer Nature Singapore Pte Ltd .

سنة النشر: 2020.

عدد الصفحات: 194 صفحة.

مقدّمة

يفترض مؤلف الكتاب نينغ أن، بدايةً، أنّ الدراسات الجيوبوليتيكية في الصين قد ارتبطت بالنظرة المهيمنة التي روّجت لها الأوساط الأكاديمية الغربية، وأنّ الحاجة تستدعي رصد الأصوات والمواقف النقدية من الداخل في كلّ ما يستأثر بفحص تأثير الخاصية المكانية في ممارسة السلطة. وفي ذلك اعتمد الباحث على الجيوبوليتيك النقدية إطارًا نظريًا والجيوبوليتيك غير الغربية بوصفها إطارًا تجريبيًا. وتعاني الأولى مجموعة قيود أنطولوجية وإبستيمولوجية، كتركيزها إمبريقيًا على الفضاءات الغربية واهتمامها بتحليل النصوص والخطابات الإعلامية بدلًا من الجمهور الذي يستهلك هذه النصوص، بمن فيهم جمهور القرّاء والنّقاد.

يطرح المؤلف سؤالًا أساسيًا: لماذا يُعتبر البحث التجريبي من منظور الحرب الأميركية على الإرهاب مهمًّا؟ وبعد أن يشير إلى الفجوات المعرفية التي تنجم عن الرؤية بعدسات غير غربية، يُتبع الاستفسار السابق بتساؤلات فرعية، منها: ما وجهات نظر الصين تجاه الحرب الأميركية على الإرهاب؟ ولماذا تُعتبر دراسة المنظور الصيني مهمّة؟ 

تأثّرت تصوّرات الصين عن الإرهاب بثلاثة أنماط من الجيوبوليتيك؛ يختصّ النّمط الأول بـالجيوبوليتيك ما بعد الاستعمارية التي ترسم حدودًا بين فضاء الخاص (الغرب) وفضاء الآخر (باقي الأماكن). يرمز النمط الثاني إلى جيوبوليتيك التابع التي تشدّ الانتباه إلى ما يتعرّض له المهمّشون من ممارساتٍ يفرضها المهيمن جغرافيًا. أمّا النمط الثالث فيدلّ على الجغرافيا غير الغربية، وهي فكرة أكثر عمومية من سابقتَيها، لا تقدّم تقسيمًا ثنائيًا متعارضًا ولا تؤكّد على علاقات القوة غير المتكافئة. وبما أنّ الصين ذات أهمية متزايدة في السياسة الدولية، ولا تقع في سياقٍ ثانوي، ولا هي بالدولة الهامشية أو المهجورة، فإنّ تركيز البحث سينصبّ على هذا النمط من الجيوبوليتيك.

يستهدف الباحث دراسة المجتمع الصيني بطريقتين معهودتين في علم الاجتماع؛ من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى. ويركّز على تحليل أصوات نخب الدولة وأصوات الجماهير غير الحكومية. وتنقسم هذه الأخيرة بدورها إلى فئتين: الطبقة الوسطى المتعلّمة والكتلة. في هذا الإطار يقرّ المؤلّف بأنّ وسائل الإعلام الصينية تقع تحت سيطرة النخب السياسية وتوجيهها، لذلك ارتأى أن يفحص الأرشيف الذي يهتمّ بالحرب الأميركية على الإرهاب في صحيفتَي People’s Daily وSouth Weekend، كما اعتمد على أداة المقابلة (التي دامت من 40 إلى 90 دقيقة) لفهم توجّهات 58 شخصًا من قرّاء الصحيفتين. أمّا ضبط مواقف الكتلة فقد كان يحتاج إلى متابعة تفاعل الجمهور مع الانتشار الواسع للمعلومة على موقع سينا ويبو Sina Weibo.

يحقّق الكتاب في تصورات الصين الجيوبوليتيكية للحرب الأميركية على الإرهاب من خلال ثمانية فصول تشمل المقدمة والخاتمة، حيث يعمد المؤلف في الفصل الثاني إلى عرض الأصول الفكرية لمفهوم الجيوبوليتيك النقدية، مبرزًا أنّ انفتاحه على ما هو كامن في السياقات السوسيوسياسية للصين سيسمح بتجاوز هيمنة المعالم الغربية على الحقل، ويتعزّز ذلك أكثر في الإطار التجريبي الذي يتيحه الفصل الثالث من الكتاب؛ إذ سيكون في مقدور القارئ التعرف إلى ما هو غير مستكشف في الثقافة السياسية الصينية الحالية من أُطرٍ وتقاليد جيوبوليتيكية. وبينما كان الفصل الرابع سردًا لمنهجية البحث وأساليبه، تسلّح الفصلان الخامس والسادس بأطروحات نموذج الدعاية ونموذج الجمهور النشط لاقتراح جدول أعمال بحثي يطمح إلى دمج آراء الجمهور في أدبيات الجيوبوليتيك. أمّا الفصل السابع فكان إضاءةً جديدة تركّز على قدرة الإنترنت في تشكيل فضاءات جديدة للرؤى الجيوبوليتيكية، وهو ما يجعل من التكنولوجيا فاعلًا مزاحمًا ومهدّدًا للعلاقة التقليدية بين السلطة والمعرفة.


* هذه المراجعة منشورة في العدد 48 (كانون الثاني/ يناير 2021) من دورية "سياسات عربية" (الصفحات 171-179)وهي مجلة محكّمة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات كل شهرين.

** تجدون في موقع دورية "سياسات عربية" جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.