العنوان هنا
دراسات 05 سبتمبر ، 2019

الميكرو- ماكرو: في إلزامية تبيان آليات الانتقال

علي جعفري

أستاذ في علم الاجتماع بجامعة القاضي عياض في المغرب. مهتم بسوسيولوجيا التنظيمات والمقاولة وسوسيولوجيا الحركات الاجتماعية والنظريات السوسيولوجية. من آخر بحوثه المنشورة "وظيفة الصحافي: براعة الاستخدام بسلّمٍ متغير" (بالفرنسية) (2017)، و"ملامح وتحولات الفكاهة عند السياسيين" (بالفرنسية) (2017). حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية من جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء.

ملخص

تحاول هذه الدراسة إثبات أن التفسير في العلوم الاجتماعية للظاهرة أو الفعل أو التفاعل، باستعمال فرضيات ومعطيات تنتمي إلى مستوى مختلف عن مستوى الإشكالية المعنية، رهينٌ بمدى صياغة جسور العبور بين هذه المستويات، وإلا ضعُف التفسير أو غلبت عليه الانطباعية. وتتطرق الدراسة بدايةً إلى التعاريف ومقاييسها بغية الفصل بين مكونات الاجتماعي، ثم تطرح سؤال إلزامية الانتقال. وللإجابة عن هذا السؤال تم الاعتماد على فرضيتَين هما: فرضية الانبثاق، وفرضية "صراع الآلهة". أخيرًا، تعرض الدراسة بعض نماذج العبور، وتخلص إلى استحالة نموذج عام صالح لكل زمان ومكان، وإلى أنه يجب على كل موضوع بحثي بناء ميكانزمات انتقاله.

مقدمة

يعتبر موضوع الانتقال بين مستويات الواقع حديث الطرح في العلوم الاجتماعية، إذ لم ينفتح باب الاهتمام بالمسألة إلا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي بمقال لراندل كولينز، فاز على إثره بالجائزة الافتتاحية للجمعية الأميركية للسوسيولوجيا. لم يكن علم الاقتصاد أكثر حظًا، فإثارته الإشكالية كانت أسبق بعقد من الزمن فقط، لكن المعالجة المنهجية لم ترَ النور إلا في نهاية السبعينيات مع توماس شيلينغ.

لم يكن ليطرح الموضوع لو بقي الاجتماعي على وحدته الأنطولوجية. لكن تم تفكيك هذا الأخير إلى مستويات، أسوةً بالفيزياء (الجسيمات، النواة، الذرة، الجزيئة، الماكروجزيئة)، فمَيَّز أهل الاختصاص بين مستويات ثلاثة: الميكرو (الجزئي)، والميزو (الوسطي)، والماكرو (الكلي).

لا يخفى على أحد أن الفلسفة هي السباقة إلى تصور الواقع على أنه ليس متجانسًا، وفصلت بين الكلي والجزئي، وفيما بعد اقتفت العلوم الإنسانية الأخرى أثرها، بما في ذلك النظرية السوسيولوجية الكلاسيكية.

منذ ذلك الحين ومسألة الانتقال بين مستويات الاجتماعي تقض مضجع السوسيولوجيين والاقتصاديين. فعدم الاكتراث لها لا يعني إلا أمرًا واحدًا: الاختزالية؛ أي اختزال الجزئي في الكلي أو العكس، بينما لا تعني كذلك محاولة فهم الواحد بالآخر إلا أمرًا واحدًا: وجوب ابتكار آليات الانتقال بين الفردي والاجتماعي. لا يمكن فهم وتفسير الواحد بالآخر من دون الربط والعبور، بحسب مبدأ إبستيمولوجي قارّ؛ إذ لا يمكن، مثلًا، تفسير سلوك فردي (ميكرو) بجعله من وحي معيار اجتماعي (ماكرو) من دون آلية انتقال لأن المستويين غير متجانسين.

* هذه الدراسة منشورة في العدد 29 (صيف 2019) من مجلة "عمران" (الصفحات 33-62) وهي مجلة فصلية محكمة متخصّصة في العلوم الاجتماعيّة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات.

** تجدون في موقع دورية "عمران"  جميع محتويات الأعداد مفتوحة ومتاحة للتنزيل.