مقدمة
منذ خطاب شارون في العقبة يوم 4 حزيران يونيو 2003، والذي طالب فيه بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وتأكيد الرئيس جورج بوش في خطابه على هذه الفكرة وحتى عودة رئيس حكومة إسرائيل إيهود أولمرت الى التأكيد عليها مرة أخرى في مؤتمر أنابولس أمام الوفود العربية تكررت الفكرة عدة مرات متحوّلة من تعريف وفهم ذاتي للصهيونية ومهامتها إلى مفهوم متداول على الساحة الدولية.
وقد كرر الرئيس الأميركي أوباما هذا التعريف لإسرائيل عدة مرات في خطاباته، وليس فقط في خطابه أمام أيباك عام 2008 عشية الانتخابات الرئاسية، بل ايضا أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في ايلول سبتمبر 2010.[1]
ولا شك ان الهدف العملي لهذا التحول من تعريف ذاتي الى مفهوم في العلاقات الدولية وفي ما يسمى ب"عملية السلام"هو إقصاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين تماما، وإسقاطه قبل مناقشته، ومراجعة شرعيته الدولية بوضع مبدأ آخر متفق عليه بين الفرقاء هو مبدأ"دولتين لشعبين"فوق مبدأ حق العودة. وطبعا يترتب على مثل هذا الاعتراف تفهم مخاوف إسرائيل الديموغرافية حتى من المواطنين العرب، كما يعني قبول يهودية الدولة إقصاء دولي وعربي لمبدأ"الدولة لجميع مواطنيها"الذي تحدى مسألة يهودية الدولة داخليا ووضعها في حالة تناقض وصراع مع فكرة المساواة والديمقراطية.
ولكن الأمر الأعمق هو طموح إسرائيل أن يتحول الاعتراف العربي المنشود بها من اعتراف بدولة قائمة، الى اعتراف بالصهيونية، وبشرعيتها التاريخية. وبالتالي يتحول الاعتراف العربي من اعتراف تسووي واقعي الى اعتراف مبدئي بحق تاريخي، وهو لا يعني إلا أنها كانت تاريخيا على حق، والعرب كانوا تاريخيا على خطأ بشأن فلسطين. وفيما عدا نفيه لحق العودة فإن مثل هذا الاعتراف إذا حصل هو إنجاز سياسي معنوي ثقافي يعادل إقامة دولة إسرائيل ليس في الواقع الملموس بل في الثقافة والفكر والخطاب السياسي.
* صيغة معدلة عن فصل من كتاب الدكتور عزمي بشارة عن المجتمع والدولة في إسرائيل والصادر عن دار الشروق في مصر عام 2004، تحت عنوان: من يهودية الدولة حتى شارون: دراسة في تناقضات الديمقراطية الإسرائيلية.
[1] ويبدو أن الاستخدام الاميركي الاول لهذا التعبير كان في خطاب لكولن باول عام 2001، لا يذكر هو كيف تسرب لخطابه، ولكن دافيد عبري السفير الاسرائيلي في واشنطن آنذاك يذكر ان كان له دور في ذلك انظر:
Glenn Kessler, Washington Post October 2. 2010