يمثل هذا النص مقدمة كتاب صدر راهنًا عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، بالعنوان نفسه، تنظيم الدولة المكنّى "داعش". كتب عزمي بشارة الجزء الأول منه، بعنوان فرعي إطار عام ومساهمة نقدية في فهم الظاهرة، وأشرف على الجزء الثاني الذي ورد بعنوان فرعي التشكل والخطاب والممارسة، وأسهم في كتابة فصوله عدد من باحثي المركز. تتناول المقدمة حزمة الأسئلة المنهجية ذات الصلة بفهم ظاهرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وتذهب إلى أن ظاهرة مركّبة، سياسية واجتماعية ودينية، مثل داعش، تستدعي رؤية مركّبة وتعددية في زوايا النظر، ومن ثم، مقاربة منهجية تكاملية تتداخل فيها الاختصاصات وتعبرها في آن واحد، تضع ظاهرة داعش في سياقها، ولا تهمل مميزاتها الفكرية والدينية. وتحاجّ المقدمة بأن "دولة داعش" ليست قائمة إلا في عملية التمدّد والحرب؛ فحالما يتوقف التمدد يبدأ الاندثار، فهي نظامٌ لا يقوم إلا على أن محيطه نقيضٌ له، والحالة التي تبقيه قابلًا للحياة هي حالة مستمرة من "التمدد والانحسار".
تهدف هذه الدراسة إلى الإجابة عن سؤال: كيف نفهم ظاهرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"؟ أي، ما هي زاوية (أو زوايا) النظر الملائمة للبحث فيها؟ فهل يكفي تصنيفها بوصفها حركة سلفية جهادية، أو حركة تمرّد، أو حركة طائفية، أو ردّة فعل على الحداثة، أو ظاهرة من ظواهر الحداثة وليست ردّة فعل عليها فقط، كما يُصرّ بعض الباحثين؟ أم أن زوايا النظر هذه كلها قد تُغني عملية البحث في الموضوع؟ ينطلق البحث من أن فهم ظاهرة مركّبة سياسية واجتماعية ودينية مثل تنظيم الدولة الإسلامية يستدعي رؤية مركّبة وتعددية في زوايا النظر، وهو ما يُفضي إلى نوع من مقاربة منهجية تكاملية تتداخل فيها الاختصاصات وتعبرها في آن واحد. فلا يمكن الإمساك بظاهرة من هذا النوع من دون النظر إليها من زاوية النظر التأريخية والسوسيولوجية والفكرية والسياسية، ومن دون تحليل الخطاب ونقد الأيديولوجيا، فضلًا عن فهم موقعها ونشوئها وتطوّرها ووظائفها في سياق الصراع السياسي في ظلّ ضعف الدولة وصعود الهويات الطائفية وتسييسها. والتحليل، وفق المنهج الذي يتّبعه المؤلف، إذا كان مثابرًا يتحوّل إلى عملية نقد الظاهرة. والنقد يرتقي إلى مستوى تحليل الظواهر إذا توافر فيه شرط المنهجية العلمية.
أثار التنظيم في صعوده العاصف وقدراته القتالية الهجومية وتمدّده السريع وفهمه النظري والعملي السلوكي للدين وزعمه أنه أصبح دولةً لا تتطلَّب اعترافًا من أحد واهتمامه بـتفصيلات الحياة اليومية للناس الذين يعيشون تحت سيطرته وفق فهمه للإسلام، وشغفه بعرض عنفه ودمويّته مشهديًا، قلق عموم الناس ومخاوفهم الدفينة. وكما هو متوقّع، جذب التنظيم اهتمام الصحافة والإعلام في العالم بأسره في عصر تكنولوجيا الاتصالات؛ كما أثار اهتمام السياسيين وحيرتهم في كيفية فهمه والتعامل معه في الوقت ذاته.
* هذه الدراسة منشورة في العدد 35 (تشرين الثاني/نوفمبر 2018) من دورية "سياسات عربية" (الصفحات 7-13)وهي مجلة محكّمة للعلوم السياسية والعلاقات الدولية والسياسات العامة، يصدرها المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السياسات كل شهرين.