العنوان هنا
مقالات 14 أكتوبر ، 2015

النفط، ماذا بعد؟ هل من جديد في الأفق المنظور؟

الكلمات المفتاحية

أسامة نجوم

حاصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه في العلوم الاقتصادية من جامعة مانشستر في بريطانيا. يعمل حاليًا خبيرًا اقتصاديًا في وزارة التخطيط التنموي والإحصاء في دولة قطر. عمل سابقًا أستاذًا جامعيًا وخبيرًا اقتصاديًا لدى العديد من المنظمات الدولية؛ كالمنظمة الألمانية للتعاون الفني، والاتحاد الأوروبي، والبنك الدولي، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. له العديد من الدراسات والبحوث والتقارير الاقتصادية حول قضايا النمو الاقتصادي ومكوناته، والتجارة الخارجية، وقطاع الزراعة، وقطاع النقل والتضخم، وتحليل مسوحات ميزانية الأسرة ومسوحات القوة العاملة. شارك في عدد من ورش العمل والمؤتمرات والحلقات النقاشية التي تخص قضايا التنمية الاقتصادية والاقتصاد الكلي. كما ساهم في تقييم تقارير وبحوث تنموية واقتصادية وتحكيمها، لفائدة مراكز بحثية ومنظمات إقليمية متخصصة.

في ظل التذبذبات الحالية في سعر النفط في الأسواق العالمية، تتضارب التسريبات والأقاويل عن نية دول الأوبك التواصل مع المنتِجين من خارجها للتوصل إلى تفاهمات معيّنة بشأن خفْض حصص السوق؛ من أجل دعم الأسعار صعودًا. لكن حتى الآن يبدو أنه ليس ثمّة ما يؤكّد هذه التسريبات والأقاويل وأنّ الأمر لا يعدو أن يكون توقعات. وربما كان الأمر على عكس ذلك، خصوصًا أنّ جميع الأطراف الفاعلة في السوق النفطية من داخل الأوبك وخارجها تنهج مسارًا متصلبًا يقوم على حماية حصصها من السوق والتوسع فيها، باتباع سياسة خفْضٍ سعريٍّ ضمن حرب أسعار ناعمة حتى الآن، على الرغم من انخفاض قيمة عوائد بيع منتوجها من النفط والغاز. ويبدو أنّ هذه المسارات المتصلبة في حماية الحصص ستختبر قدرات الصمود والصبر، لدى الأطراف جميعِها، على تحمّل ارتدادات انخفاض الأسعار وتداعياتها على اقتصادياتها المحلية وخططها التوسعية، وعلى نفوذها ومكانتها في سلّم العلاقات الاقتصادية الدولية وفي النظام السياسي العالمي. ويبدو ذلك واضحًا من خلال إصرار الأطراف المنتِجة الرئيسة للنفط والغاز على استمرار إنتاج كميات يومية تسببت بفائض معروض يفوق حاجة الاقتصاد العالمي؛ وذلك في ظل الأداء المخيّب للآمال، خصوصًا بالنسبة إلى الاقتصاد الصيني الذي لم تنجح محاولات القائمين عليه في تبديد المخاوف التي انتابت صانعي السياسات والمهتمين والمستثمرين بعد تراجع معدلات نموّ هذا الاقتصاد (ثاني أكبر اقتصاد عالمي) في أداء أسواق المال العالمية والاقتصاد العالمي، ولا سيما بعد الاضطراب الكبير الذي شهدته البورصات العالمية في 24 آب/ أغسطس 2015، والذي نجمت عنه خسائر كبيرة وصلت إلى تخوّفات شديدة وأدّت إلى عمليات سحْب كبيرة غير مسبوقة من التداول، وارتبط ذلك بانخفاض أسعار النفط إلى حدٍّ أدنى من أربعين دولارًا للبرميل الواحد من النفط. وعلى الرغم من أنّ الأسواق العالمية التقطت أنفاسها بعد يومين من ذلك التاريخ؛ إذ استعادت بعض بريقها وحققت مكاسب ملحوظةً، وارتفع سعر النفط بنسبة 17%: من 38.6 دولارًا للبرميل في 26 آب/ أغسطس إلى 45.22 دولارًا (الخام الأميركي)، فإنّ الأسواق ما تزال تعيش حالةً شديدةً من الترقب والحذر خوفًا من انهيارات مفاجئة تُفضي إلى أزمة مالية عالمية جديدة تماثل ما حصل في عام 2009. وفي الوقت الذي كان فيه من المتوقّع أن يشكّل البعد السياسي المحور الأساسيّ لنقاشات قادة العالم في اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة – بالنظر إلى أنه لا بدّ أن تكون قد جرت نقاشات اقتصادية بعيدًا من الأضواء بشأن وضع سوق الطاقة العالمي وكيفية التدخل لإيقاف تدهور الأسعار – يبدو، حتى الآن على الأقل، أنّ هذه النقاشات لم تُؤدِّ إلى تقريب وجهات النظر حول دينامية تغيرات أسعار الطاقة في السوق العالمية وضبط فائض المعروض المرجَّح زياداته في الأشهر القليلة المقبلة مع دخول إيران السوق من جديد، وربما مع تحسُّن الأوضاع في ليبيا واليمن. ومن نافلة القول الإشارة إلى أنّ الاختلافات في المواقف تجاه القضايا السياسية الشائكة والعالقة حاليًّا بمسرح النظام الدولي العالمي تتأثر بالخلافات حول المسائل الاقتصادية وتؤثِّر فيها، وفي صدارتها سوق الطاقة العالمية وتوزيع الحصص بين المنتجين. في جميع الأحوال، ثمّة حقائق ساطعة لا يمكن حجبها بأيّ غربال، منها أنّ استمرار الأسعار على ما هي عليه حاليًّا (تراوحها بين الأربعين والخمسين دولارًا للبرميل الواحد من النفط) سيترتب عليه بالنسبة إلى جلّ الدول التي تصدّر النفط والغاز، والتي تعتمد على عوائدهما مصدرًا رئيسًا لناتجها القومي ولإيراداتها الحكومية تراجعٌ في معدلات نموها الاقتصادي عام 2015 وعجزٌ ماليٌّ في ميزانها العامّ، ومن ثمّة ستشهد تراجعًا في قيم فوائضها التجارية ونقصًا غير مسبوق في قيمة احتياطاتها الرسمية. وفي حال انحدار مستويات الأسعار دون المستويات الحالية – وهذا أمر غير مستبعد بالنظر إلى ضعف سويّة المؤشرات الاقتصادية في بعض الاقتصاديات الرئيسية القيادية التي كان يُعوَّل على تعافيها خلال عام 2015 لدعم الطلب العالمي، ولا سيما سلع الطاقة - ينبغي أن تستعدّ الدول المصدرة للنفط والغاز لأسوأ السيناريوات المحتملة؛ أي انكماش اقتصادياتها بمعدلات قد تفوق التصور، على نحوٍ يهدد خططها التوسعية التنموية. وفي المقابل، لا شك في أنّ انحدار أسعار النفط والغاز يُعدُّ من الأخبار السارة بالنسبة إلى الدول المستوردة لهما بسبب انخفاض فاتورة مستوردات الطاقة وتكاليف الإنتاج. لكن يظلّ الأثر في معدلات نموها الاقتصادي مجهول الملامح بسبب تأثّره بعوامل أخرى. ومن هذه العوامل ما كان داخليّ المنشأ، تُحدده طبيعة اقتصادياتها، وما كان خارجيّ المنشأ، تحدّده دينامية الاقتصاد العالمي وتغيراته، في ظل عولمة اقتصادية جارفة تكسرت عبرها الحدود، وضعفت من خلالها المناعة الداخلية للاقتصاديات المحلية.