العنوان هنا
تقدير موقف 13 يونيو ، 2014

قراءة في الموقف الأميركي من حكومة "التوافق" الفلسطينية

الكلمات المفتاحية

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

بعد أن أعلنت حركتا فتح وحماس توصّلهما في الثالث والعشرين من نيسان / أبريل الماضي إلى اتفاق مصالحة وتشكيل "حكومة توافق وطني" ينهي قرابة سبع سنين من الانقسام ما بين الضفّة الغربية تحت سيطرة فتح، وقطاع غزة تحت سيطرة حركة حماس، تمكّن رئيس وزراء السلطة الفلسطينية المكلّف رامي الحمد الله أخيرًا من إنجاز تشكيلة الحكومة العتيدة. وبحسب الاتفاق، فإنّ حكومة الحمد الله الجديدة تضمّ وزراء من التكنوقراط لا ينتمون إلى حماس أو فتح، ومهمّتها الأساسية هي الإعداد للانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية خلال مدة ستّة أشهر. وقد أدّت الحكومة اليمين القانونية أمام الرئيس محمود عباس في الثاني من شهر حزيران / يونيو الجاري. وسارعت إسرائيل إلى إعلان رفضها لها، بحجّة أنّها مدعومة من جانب حركة حماس. وفي المقابل، أعلنت إدارة الرئيس أوباما على لسان وزير خارجيتها، جون كيري في الرابع من الشهر الجاري من بيروت، أنّها ستعمل مع الحكومة الفلسطينية الجديدة، وستراقب مدى التزامها التعاون مع إسرائيل وضمان أنّها لن "تتجاوز الحدود". في حين عبّر رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، عن "إحباطه الشديد" من الموقف الأميركي هذا. يثير الخلاف الأميركي - الإسرائيلي العلني بخصوص الموقف من "حكومة التوافق الفلسطينية" أسئلةً تتعلّق بأسباب هذا الخلاف وخلفياته ومدى عمقه؛ بمعنى هل هو خلاف موقّت بخصوص مسألةٍ محدّدة؟ أم أنّ الأمر أعمق من ذلك وأبعد؟ كما أنّه يطرح أسئلةً أخرى تتعلّق بموقف الولايات المتحدة من حركة حماس، والتي تصنّفها على أنّها حركة إرهابية، وإذا ما كانت أميركا بصدد تغيير سياستها تجاهها.


الموقف الأميركي من "حكومة التوافق الفلسطيني"

جاء الاستعداد الأميركي للتعامل مع "حكومة التوافق الفلسطينية" بناءً على جملةٍ من الشروط تعهّد الرئيس عباس باحترامها. وبحسب وزير الخارجية جون كيري والناطقة باسم وزارته، جين بساكيJen Psaki ، فإنّ هذه الحكومة هي حكومة تكنوقراط، ولن تضمّ أيّ عناصر من حماس أو محسوبة عليها، كما أنّها ستلتزم بالبرنامج السياسي للرئيس عباس، والذي يقوم على الاعتراف بإسرائيل، واحترام الاتفاقيات السابقة معها، ونبذ العنف، وهي شروط الرباعية الدولية ذاتها (الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وروسيا، والأمم المتحدة)، للاعتراف بحماس حركةً سياسية فلسطينية مقبولة دوليًّا، إضافةً إلى استمرار تنسيق السلطة الفلسطينية أمنيًّا مع إسرائيل. وبناءً على مدى التزام الطرف الفلسطيني بهذه التعهّدات، ستحدّد الولايات المتحدة سياساتها المستقبلية في هذا الصدد.

والمهمّ في هذا السياق، أنّ الولايات المتحدة لا تعلن اعترافها بالحكومة الفلسطينية الجديدة، بل تعلن استعدادها للعمل معها فقط، وضمن الاشتراطات السابقة. وهو ما أكّده كيري في المؤتمر الصحفي الذي سبقت الإشارة إليه في بيروت، حيث قال: "دعوني أكُنْ واضحًا جدًّا: الولايات المتحدة لا تعترف بحكومة بخصوص فلسطين لأنّ ذلك اعتراف بدولة.. ولا توجد دولة". ما يعني أنّ الولايات المتحدة التي عارضت توجّه منظمة التحرير الفلسطينية إلى الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في شهر تشرين الثاني / نوفمبر 2012، لنيل الاعتراف بها "دولة غير عضو"، لا تزال تصرّ على الموقف ذاته، مسايرةً في ذلك الموقف الإسرائيلي الذي يشدّد على أنّ الدولة الفلسطينية ينبغي أن تكون نتيجة مترتّبة على المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية فقط.


الخلاف الأميركي - الإسرائيلي وخلفياته

يبدو الخلاف الأخير بين الطرفين الإسرائيلي والأميركي بخصوص الموقف من "حكومة التوافق الفلسطيني" حلقة في سلسلة طويلة من الخلافات بين إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، وحكومة نتنياهو؛ فمنذ دخول أوباما البيت الأبيض مطلع عام 2009 والعلاقة بينه وبين نتنياهو متوتّرة، خصوصًا مع ميْل الرئيس أوباما إلى عَدّ ملفّ التسوية في الشرق الأوسط أولويّة منذ اليوم الأوّل لرئاسته. وكان من الملاحظ، أنّ أوباما ضاعف وتيرة الضغوط على إسرائيل ورفع من حدَّة خطابه تجاهها بطريقة غير مسبوقة، كما في مطالبته إيّاها في خطاب القاهرة (حزيران / يونيو 2009) بـ"وقف الاستيطان". وبعد ذلك، أبلغ أوباما قادة المنظّمات اليهودية الأميركية القلقين من حدّة نبرته نحو إسرائيل في اجتماعٍ عقده معهم في شهر تموز / يوليو 2009 في البيت الأبيض، بأنّه سيضغط على الجانب الإسرائيلي لتحقيق "سلام" في المنطقة، وبأنّه لن يقبل باستمرار نمط العلاقة الأميركية - الإسرائيلية كما كان في سنوات إدارة سلفه جورج بوش الثماني. وقد أدّت ضغوط أوباما هذه إلى توتّر العلاقة بصورةٍ كبيرة بينه وبين نتنياهو، وتحدّي الأخير له غير مرّة. غير أنّ ثمانية أشهر من الضغوط الأميركية "غير المسبوقة" على إسرائيل عام 2009، كي تقبل فقط بـ"تجميد" الاستيطان في أفق استئناف المفاوضات، لم تفلح في ثني الحكومة اليمينية الإسرائيلية حينئذ، عن الاستمرار في بناء المستوطنات في الضفة الغربية وشرقي القدس، وتوسيعها. وفي المحصّلة، فإنّ أوباما هو من تراجع أمام نتنياهو؛ وذلك بعد شهور من محاولات الضغط الفاشلة عليه واقتراب موعد انتخابات الكونغرس النصفية أواخر عام 2010.

وبعد انتخابات 2012 التي نجح فيها أوباما لفترةٍ رئاسية ثانية، توقّع العديد من المراقبين أن يسعى أوباما إلى تفادي التورّط في ملفّ السلام من جديد؛ إذ إنّه تسبّب في توتّر علاقاته مع إسرائيل ولوبيّها في واشنطن في دورته الأولى، غير أنّه خالف التوقّعات، مع تبنّي وزير خارجيته جون كيري، الملفّ شخصيًّا. وفعلًا، أثمرت جهود كيري إقناع الطرفين بالعودة إلى طاولة المفاوضات في تموز / يوليو 2013 على أساس التفاوض لمدة تسعة أشهر تنتهي أواخر نيسان / أبريل الماضي.

غير أنّ مساعي كيري هذه اصطدمت بعقباتٍ كثيرة وضعتها إسرائيل، وأدّت إلى انهيار المفاوضات كليًّا مطلع نيسان / أبريل الماضي مع إعلان حكومة نتنياهو نيّتها بناء المزيد من الوحدات السكنيّة في القدس الشرقية المحتلّة، ورفضها الإفراج، أواخر شهر آذار / مارس الماضي، عن 26 أسيرًا فلسطينيًّا كانوا ضمن الدفعة الرابعة من الأسرى المفترض إطلاق سراحهم شرطًا للعودة إلى التفاوض، بحسب اتّفاق استئناف المفاوضات بين الطرفين. وردّت السلطة الفلسطينية على ذلك مطلع شهر نيسان / أبريل الماضي بالتقدّم بطلبات عضوية إلى 15 اتفاقية ومعاهدة دولية من أصل 63 اتفاقية ومعاهدة ووكالة دولية يحقّ لفلسطين الانضمام إليها.

وكان لافتًا حينها أنّ كيري حمّل الجانب الإسرائيلي المسؤولية الأكبر، ضمنيًّا، عن انهيار المفاوضات؛ وذلك في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، في السابع من شهر نيسان / أبريل الماضي؛ أتبع ذلك، أواخر الشهر نفسه، بتعليقات في لقاءٍ مغلق في واشنطن جرى تسريبها، حذّر فيها من أنّ إسرائيل قد تتحوّل إلى دولة فصلٍ عنصري إذا لم توقّع اتفاق سلام مع الفلسطينيين، ما أثار غضب اللوبي الإسرائيلي عليه، واضطرّه للاعتذار.

يأتي الخلاف الأخير بين إدارة أوباما وحكومة نتنياهو في هذا السياق. ويمكن القول إنّه خلافٌ حقيقي وعميق. وهو يعبّر عن مقاربتين مختلفتين لموضوع التسوية في الشرق الأوسط؛ فإدارة أوباما المستاءة من تصرّفات إسرائيل وعنادها، ترى في تحقيق تسوية للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي مصلحة أميركية - إسرائيلية، في حين أنّ حكومة نتنياهو تقبع أسيرة نفوذ اليمين الإسرائيلي والمستوطنين فيها، وذلك كما نُسب إلى مبعوث الإدارة الأميركية للسلام، مارتن إنديك Martin Indyk، القول في الثامن من أيار / مايو الماضي.


هل ثمّة تغيير في الموقف الأميركي من حماس؟

على الرغم من حقيقة هذه الخلافات وحدّتها، فإنّ موقف إدارة الرئيس أوباما "المتفهّم" لقيام "حكومة توافق وطني فلسطيني"، لا يحمل أيّ تغيير في المقاربة الأميركية نحو حركة حماس؛ فحماس التي صنّفتها إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون عام 1997 منظّمة إرهابية، لا تزال كذلك من وجهة نظر واشنطن. وقد حرص كيري في المؤتمر الصحفي الذي عُقد في بيروت، على تأكيد هذا الأمر مشيرًا إلى أنّ حماس هي "حركة إرهابية بسبب رفضها شروط الرباعية الدولية، ولأنّها لا تزال تدعو لتدمير إسرائيل"، كما قال. وبما أنّ حماس لم تغيّر موقفها من هذه الاشتراطات، فإنّ المقاربة الأميركية نحوها لم تتغيّر. ما يجعل الخلاف بين واشنطن وتل أبيب غير مرتبط بمسألة "حكومة التوافق الفلسطيني"، بمقدار ارتباطه بخيبة أمل إدارة أوباما من ممارسات الحكومة الإسرائيلية تجاه عملية التسوية عمومًا، وهي التي قادت إلى هذا التوافق بين حماس وفتح. وبقبولها التعاون مع "حكومة التوافق الفلسطيني"، ترسل الإدارة الأميركية من ناحية، إشارة عدم رضى واحتجاج دبلوماسي ضمني للجانب الإسرائيلي، بأنّها ضاقت ذرعًا بممارساته المعطّلة للجهود الأميركية للتسوية في الشرق الأوسط، وتعبّر من ناحيةٍ أخرى عن نوعٍ من الاعتراف الأميركي المبطن بالواقع المرّ لانسداد أفق التسوية مرحليًّا على الأقلّ جرّاء التعنّت الإسرائيلي. وبناءً عليه، بحسب هذا المنطق، فإنّه لا فائدة ترجى من الرفض الأميركي لتحقيق مصالحة داخلية فلسطينية بما أنّه لا توجد بدائل كثيرة أمام الطرف الفلسطيني للتعبير عن أزمته التفاوضية وأفقها المسدود، في ظلّ عجزٍ أميركي عن تغيير قواعد اللعبة.

وعلى الرغم من أنّه يمكن القول إنّ الولايات المتحدة تستخدم ورقة "الاستعداد للتعاون" مع "حكومة التوافق الفلسطيني"، للضغط على الجانب الإسرائيلي وإخراجه من دائرة التعنّت السياسي، فينبغي أن لا يدفعنا ذلك إلى الاعتقاد أنّ تغيير مقاربة الولايات المتحدة نحو حماس والوحدة الوطنية الفلسطينية، أمرٌ وارد؛ إذ إنّ أميركا استعدّت للتعاون مع حكومة تكنوقراط تتبنّى الخطّ السياسي الذي يمثّله عباس، لا حكومة "توافق فلسطيني" حقيقي، فهذه لم تقم أصلًا. وتدرك الولايات المتحدة ذلك قطعًا. وبإمكاننا قراءة موقفٍ آخر في موقف الولايات المتحدة المرن نسبيًّا من الحكومة الفلسطينية الجديدة، وهو أنّ إدارة أوباما تعلم أنّ النافذة ستغلق بسرعة أمام إمكانية إجراء مفاوضات ذات معنى بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي؛ فانتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي ستجري أواخر هذا العام، وبعدها ستتحوّل رئاسة أوباما إلى "بطّة عرجاء" سياسيًّا، خصوصًا في ظلّ توقّعات تقول إنّ حزبه الديمقراطي قد يخسر السيطرة على مجلس الشيوخ الأميركي لفائدة الجمهوريين، كما خسر من قَبْل في انتخابات 2010 مجلس النوّاب. وبغضّ النظر عن طبيعة الأكثرية في الكونغرس، فإنّ توقّع ضغوط أميركية على إسرائيل أصبح وهمًا مكشوفًا منذ زمنٍ بعيد، يكرَّر في الإعلام العربي مثل لازمةٍ ليس لها مضمون فعليّ.