العنوان هنا
دراسات 19 ديسمبر ، 2014

"الديمقراطية المحافظة" ومستقبل العلمانية التركية

الكلمات المفتاحية

عماد قدورة

مدير قسم التحرير في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. حاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية ودراسات الشرق الأوسط، وعلى الماجستير في الدراسات الاستراتيجية والدفاعية. تتركز اهتماماته البحثية حول الجيوبولتكس، والعلاقات الدولية، والدراسات التركية. نُشرت له كتب ودراسات عديدة، آخرها كتاب: السياسة الخارجية التركية: الاتجاهات، التحالفات المرنة، سياسة القوة" (المركز العربي للأبحاث، 2021)؛ وكتاب:

The Rise of the GCC and Turkey: Convergent and Divergent Regional Agendas (New Castle: Cambridge Scholars Publishing, 2021).


مقدمة

تطوَّر تيارٌ اجتماعي وسياسي عريض في تركيا عبر عقود، اهتمّ بالحفاظ على القيم والتقاليد والإرث التركي المشترك، وسعى في الوقت نفسه لتطوير المجتمع والدولة وتحديثهما. وقد نما هذا التيار الذي عرف بـ "المحافظ" ليتجاوز تصوُّر ثنائية "العلمانية – الإسلام" التي عنت في أحيان كثيرة أنّ حضور أحدهما يعني إقصاء الآخر، وبخاصة في المجال العام. لقد تطوّر هذا "التيار" حتى انتقل من هامش الحياة السياسية إلى مركزها عبر تجارب مختلفة؛ فكان تيارًا فضفاضًا عبَّر عن قوى تقليدية عامة، وعبّرت عنه العديد من الشخصيات الاجتماعية والسياسية مثل سعيد النورسي وعدنان مندريس وتورغوت أوزال ونجم الدين أربكان وفتح الله غولن، ثم تزايد زخمه ومكانته حتى أضحى الأبرز والأوسع في تركيا على المستويين الرسمي والشعبي مع اتخاذ حزب العدالة والتنمية الحاكم "الديمقراطية المحافظة" هويةً سياسية.

ومن خلال الهوية والرؤية السياسية الجديدة، ركز حزب العدالة والتنمية على تعزيز القيم والتقاليد المشتركة للأتراك، وتجنَّب دور الدين في الحياة السياسية، والتزم العلمانية هويةً للدولة، واستهدف توسيع الحريات والإصلاحات السياسية والاقتصادية؛ ما مكّنه من الانفتاح على التيارات الموجودة في المجتمع، والاستفادة من إمكاناتها وتجاربها، وتكوين ائتلافٍ عريضٍ ضمّ شخصيات وقوى محافظةً وإسلاميةً وليبراليةً وفعاليات اقتصاديةً ومجتمعيةً.

ومع نجاحه في حشد القوى المحافظة ووضعها في مركز السلطة، ومع تعاظم نفوذه السياسي والاقتصادي والإعلامي، يتصاعد الجدل عن مكانة العلمانية التركية ومستقبل النظام العلماني في ظل سيطرة حزبٍ ذي جذور إسلامية، وبخاصة أنّه يَعتبِر تأسيس "جمهورية جديدة" أولويةً خلال السنوات المقبلة. ولعل التساؤل الأهم يكمن في طبيعة العلمانية التي تتماشى مع رؤية حزب العدالة والتنمية والهوية الديمقراطية المحافظة، وليس في مستقبل "وجود" العلمانية في تركيا أو عدمه.

وبناءً عليه، تناقش هذه الدراسة مفهوم المحافظة في تركيا وتطور التيار المحافظ والعوامل المؤثرة في صعوده، وتبحث في مفهوم "الديمقراطية المحافظة" وكيف أنّ حزب العدالة والتنمية أعاد من خلالها تشكيل منظومة العلاقات، وجمع ائتلافًا واسعًا على أساس القيم التركية المشتركة. وتتساءل عن دور الدين عند حزبٍ ذي جذور إسلامية، وإلى أي حد تقارب "الليبراليون" و"المحافظون"، رغم الاختلافات بينهما. وأخيرًا، تناقش تأثير تنامي نفوذ هذا الحزب والتيار المحافظ في مستقبل العلمانية التركية وطبيعتها.