العنوان هنا
تقييم حالة 12 أغسطس ، 2021

الإدارة المستقبلية للمياه في المناطق الحضرية في إيران: التعلم من الماضي

معصومة ميرصفا

أستاذة مساعدة في الهندسة المعمارية والتصميم الحضري في كلية الفنون والعمارة في جامعة غيلان في إيران. حاصلة على الدكتوراه في التصميم الحضري من كلية الفنون التطبيقية في جامعة البوليتكنيك في ميلانو في إيطاليا، والماجستير في الهندسة المعمارية المستدامة من جامعة لوند في السويد. تنصبُ اهتماماتها البحثية على التنمية الحضرية المستدامة والمدن المرنة، إضافةً إلى المدن الشاملة مع التركيز على التصميم الحضري الصديق للأطفال والمُراعي للجندر. وهي مؤلفة مشاركة لعدد من المقالات وفصول الكتب. شاركت أيضًا في تحرير عدد من معايير التصميم والمبادئ التوجيهية، منها: "المبادئ التوجيهية لتحسين المرونة في مواجهة المخاطر المتعددة للمرافق الصحية في إيران" (برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، 2019)؛ و"لوائح تصميم المجمعات السكنية الصديقة للأطفال" (بلدية طهران، 2020).

الماء مصدر أساسي لاستمرار الحياة، ويؤدي دورًا مهمًا في جوانب مختلفة من حياة الإنسان. وللماء أهمية كبيرة في الثقافة الإيرانية ويشكل مصدرًا للإلهام، والقوة، والتعاون والتكامل الاجتماعي بين المجتمعات. وتُظهر الاكتشافات التاريخية أن الشعب الإيراني ابتكر طُرقًا وأساليب عديدة لتلبية احتياجاته من المياه. وليس في الإمكان تحديد طريقة واحدة لإدارة المياه في بلد لديه مساحة شاسعة متفاوتة المعالم تضم مناطق متنوعة مورفولوجيًا وبيئيًا ومناخيًا. 

وقد أدت التباينات الجغرافية والمناخية، واختلاف أنواع الموارد المائية المتاحة، إلى اختلاف طرق الاستغلال والاستخدام باختلاف مناطق إيران (الشكل 1). ففي المناطق القاحلة الحارة، اخترع الناس القناة وهي نوع من التصريف الباطني يستخدم قوة الجاذبية لجلب المياه من مستوى طبقة مياه جوفية إلى سطح الأرض. وآب انبار هي تقنية أخرى لإدارة المياه تُستخدم في الجزء الأوسط من إيران. وهي خزانات مياه جوفية مسقوفة تخزن المياه من مصادر دائمة، كالعيون والقنوات أو المجاري السطحية الناتجة من هطول الأمطار، لتزويد المجتمعات بالمياه. ولكن السكان الذين يعيشون في الشريط الشمالي من البلاد ينعمون بوفرة الأمطار ويبنون خزانات لجمع المياه واستخدامها لمختلف الأغراض المنزلية والزراعية.

الشكل (1)

 حلول بحسب الغرض (الجزء الأعلى) وحل واحد يصلح لجميع الحالات (الجزء الأسفل) لنظام إدارة المياه الحالي في المناطق الحضرية

ومع توسيع نطاق شبكات المياه الحديثة في المناطق الحضرية منذ نحو سبعين عامًا، فقدت مختلف الممارسات التقليدية في إدارة المياه في المناطق الحضرية شعبيتها وصُرف النظر عنها. وخلافًا للعديد من الممارسات التقليدية في إدارة المياه، التي كُيِّفت وفق البيئة وتناغمت مع الطبيعة، تفتقر شبكات أنابيب المياه الحالية في المناطق الحضرية بوصفها حلولًا "ذات منحى تكنولوجي" إلى الخصائص المحلية للأماكن. تعتمد هذه الشبكة الحديثة على النقل مسافات طويلة لإدارة المياه في المناطق الحضرية باستخدام أساليب حديثة. وتقام شبكات مماثلة في ظروف مناخية مختلفة بوصفها حلًا يصلح لجميع الظروف. وقد كانت التغيرات الديموغرافية والتقدم التكنولوجي والمخاوف المتعلقة بالصرف الصحي من الأسباب الرئيسة لتعميق التغيير والتحول إلى شبكة أنابيب مياه تحت الأرض في المناطق الحضرية. وأصبحت المياه في المدينة الحديثة سلعة لخدمة السكان وأُغفلت فوائدها الجمالية والاجتماعية والبيئية بشكل كبير.

زاد عدد سكان إيران نحو ستة أضعاف في القرن الماضي، إثر حدوث نمو سكاني كبير منذ ستينيات القرن الماضي. وقد فرض هذا النمو السكاني السريع طلبًا متزايدًا على الموارد المائية في إيران. ومثّل ذلك مشكلة كبيرة في إيران، المصنفة دولة شبه قاحلة، مواردها المائية محدودة وهطول الأمطار السنوي فيها ضئيل (الشكل 2). كما شهدت تحضرًا سريعًا، حيث ارتفع عدد سكان المدن من 30 في المئة إلى 75 في المئة في الفترة 1960-2020[1]. ويعني التوسع السريع في المدن وارتفاع عدد سكانها تحسنًا في مستويات المعيشة بالنسبة إلى عدد أكبر من السكان، ونتيجة لذلك، زاد الاستخدام المنزلي للمياه، ولا سيما لأغراض النظافة الشخصية. فانخفضت حصة الفرد من المياه العذبة المتجددة، ومثّل ذلك ضغطًا إضافيًا على دورات المياه الطبيعية في البلاد. وأظهرت دراسة أن استهلاك المياه في إيران، رغم محدودية الموارد، يعادل ضعف المتوسط العالمي. ولتلبية هذا الطلب المرتفع على المياه، يستخدم الإيرانيون حاليًا أكثر من 70 في المئة من موارد المياه العذبة المتجددة[2].

الشكل (2)

النمو السكاني الحضري في إيران في السنوات الخمس والستين الماضية


ولتلبية الطلب المتزايد على المياه، كان على المدن توفير إمدادات أكبر في المراكز السكانية. ولأن العديد من المراكز الحضرية ليست قريبة من مصادر المياه، أصبح نقلها مسافات طويلة عبر الأنابيب والأنفاق أمرًا تقليديًا. ولتسهيل مشاريع نقل المياه بين المصدر ونقاط الاستخدام، تم بناء العديد من سدود التخزين الكبيرة ووضعت في الخدمة (الشكل 3). كما ساعدت التكنولوجيات الجديدة السكان على حفر آبار عميقة واستخراج المياه للاستعمالات المنزلية والزراعية. ويمثّل استخراج المياه الجوفية غير المنضبط ضغطًا كبيرًا على موارد المياه الجوفية في البلاد وغيّر التوازن الهيدرولوجي في مختلف أحواض المياه فيها. ويُعدّ الاستعمال الواسع النطاق للمضخات التي تعمل بمحركات الديزل والمحركات الكهربائية في جميع أنحاء إيران حتى في القرى الصغيرة والنائية أحد الأسباب الرئيسة للتحول من الأساليب التقليدية إلى الأساليب الحالية لتوفير المياه ومن ثم زيادة استغلالها. وتعاني البنية التحتية التقليدية للمياه مواطن ضعف أخرى تتمثل بقضايا الصرف الصحي وصعوبات الصيانة، على نحو أدى إلى انخفاض كفاءة هذه الممارسات وقبولها، وكذلك زيادة تطوير الشبكة المركزية لنظام المياه في مدن إيرانية مختلفة.

الشكل (3)

مشاريع بناء السدود الإيرانية في أحواض المياه الرئيسة سهّلت نقل المياه بين الأحواض في إطار التصدي لشح المياه (http://daminfo.wrm.ir/fa/dam)


يوضح واقع نظام إدارة المياه في المناطق الحضرية في إيران أن مشاريع إمدادات المياه، بعد نحو 70 عامًا من البرامج المكثفة لتشييد البنية التحتية، باتت تغطي الآن أكثر من 98 في المئة من المناطق الحضرية، ونحو 67.5 في المئة من المناطق الريفية. ورغم نجاح شبكة المياه الحالية في المناطق الحضرية في تحقيق الهدف الأساسي المتمثل بتوفير المياه المأمونة وتوزيعها وجمع النفايات ومياه الأمطار وإدارتها، فهي تعاني عيوبًا جوهرية كسوء الأداء البيئي، وضعف المرونة، وتضاؤل الأهمية الاجتماعية والجمالية للمياه في المناطق الحضرية. تمثل هذه النواقص الدوافع الرئيسة لإحداث نقلة نوعية في البنية التحتية لإدارة المياه في المدن الإيرانية. ويعرض الجدول بعض الأسباب والتأثيرات والتهديدات المحتملة للبنية التحتية الحالية لإدارة المياه في المدن الإيرانية.

يوضح الجدول إشكاليات المياه في إيران

السبب

الأثر

التهديدات المحتملة

الأوضاع الجغرافية والمناخية

محدودية موارد المياه المتاحة

ندرة المياه

النمو السكاني والتوسع العمراني السريع

زيادة استهلاك المياه

شح المياه

غياب الأهمية الاجتماعية والثقافية للمياه في المدن

عدم تقدير أهمية المياه في ثقافة الاستهلاك المتنامية

شح المياه

تلوث الموارد المائية

تغير المناخ

ظواهر مناخية قاسية

الجفاف

الفيضانات

بيد أن الممارسات التقليدية لا يمكنها تلبية الطلب الحالي والمتزايد باستمرار من المجتمع الإيراني؛ وقد تقودنا دراسة مثل هذه الممارسات وتحديد خصائصها إلى تحديد نموذج جديد مستدام ومرن للبنية التحتية للمياه في المناطق الحضرية. وقد يكون الجسر بين الممارسات التقليدية في الماضي، التي كُيفت وفق الظروف المحلية، والتطورات الجديدة في البنية التحتية للمياه في المناطق الحضرية، مفتاح التحول إلى نظام إدارة المياه الجديد في المناطق الحضرية. وللتعلم من الماضي، يشرح القسم التالي بعض خصائص نظام إدارة المياه التقليدي التي يمكن الاستفادة منها لتحديد نظام جديد ومستدام لإدارة المياه في المدن الإيرانية.

نظام ملائم لتغير المناخ يركز على الطبيعة

سكن الناس تاريخيًا أماكن تسهّل عليهم إمكانية الحصول على المياه العذبة وأوجدوا طرقًا مختلفة لإدارة المياه بناء على مصادر المياه المتاحة محليًا. أما النموذج الحالي لإدارة المياه في المناطق الحضرية فهو يقوم على نقل المياه تحت الأرض مسافات طويلة. ونتيجة لذلك، لا يتوافق التوزيع الجغرافي لسكان إيران مع التوزيع الجغرافي لموارد المياه في البلاد. حيث يتركز نحو 26 في المئة من إجمالي السكان حاليًا في أكبر عشر مدن. وقد أدى تركز السكان في عدد قليل من المدن إلى تشييد بنية تحتية ضخمة لزيادة عمليات نقل المياه داخل الأحواض وفيما بينها. إن استبدال الأنظمة الموزعة بشبكات مركزية يعني استهلاك كمية أكبر من الطاقة لنقل المياه مسافات طويلة وزيادة الانبعاثات الكربونية، وهذا يتناقض مع حياد الطاقة في الأساليب التقليدية. قد تحل البنية التحتية الحالية للمياه في المناطق الحضرية مشكلة نقص المياه فيها مؤقتًا لكنها لا تعالج السبب الرئيس للمشكلة، ومن ثم، تفشل في منع الكوارث البيئية. ومن الأمثلة على نهج إدارة الأزمات في مواجهة نقص المياه في وسط إيران نقل مياه بحر قزوين مسافة تزيد عن 185 كلم من الشمال إلى مقاطعة سمنان وسط إيران.

دور متعدد الأبعاد للبنية التحتية للمياه في المدن

كانت الأساليب التقليدية لإدارة المياه تخلق تشابكات Nodes اجتماعية داخل الهيكل الحضري. ومقابل إخفاء البنية التحتية الحالية، كان للأساليب التقليدية حضور قوي بوصفها مرافق اجتماعية للمجتمع. فعلى سبيل المثال، مثّلت أب انبر بوصفها مصدرًا لتوفير المياه النظيفة للسكان، إلى جانب المرافق العامة الأخرى كالمسجد والمدرسة والحمّام العمومي، أحد المكونات الرئيسة لكل حي من أحياء المدن الإيرانية القديمة. وكانت هذه المكونات تُنشأ عادة حول الميدان، الساحة العامة الرئيسة للحي. وطُبقت المبادئ نفسها على منافذ القنوات والبرك الزراعية بوصفها أساليب أخرى لإدارة المياه في مختلف المناطق الحضرية.

بركة المزرعة هي أسلوب لجمع مياه الأمطار يستخدم على نطاق واسع أساسًا في المدن والقرى لتجميع مياه الأمطار للأغراض الزراعية. ويستخدم الأسلوب نفسه في مختلف أنحاء البلاد بأسماء مختلفة: "غال" في محافظة شرق أذربيجان، و"بندر" في مقاطعة خراسان، و"إيسيل" في مقاطعة لورستان، و"هوتاك" في مقاطعة سيستان وبلوشستان و"سال" في مقاطعة جيلان. وقد صممت برك المزارع جميعها وبنيت لتؤدي الوظيفة نفسها، ولكن قد يختلف شكلها وحجمها وطرق بنائها من منطقة إلى أخرى. تُجمع مياه الأمطار المتدفقة من مستجمعات الأمطار العلوية أو المجاورة وتوجه إلى هذه الخزانات الصغيرة وتُستخدم في الزراعة. وتكشف التحقيقات التاريخية أن جميع المدن والقرى في مقاطعة جيلان تقريبًا كان لديها بركة واحدة أو أكثر لتوفير المياه لشتى الأغراض، كالزراعة وصيد الأسماك والنشاطات الترفيهية الأخرى. وإضافة إلى وظائفها الأصلية، تساهم البرك الزراعية في جودة المساحات بطرق مختلفة. فمياه البركة الراكدة شكلت، مع المساحات الخضراء المحيطة بها في القرى والمدن، عنصرًا مهمًا في تحديد الريف والمناظر الطبيعية. وقد ساهمت البركة، باعتبارها كتلة مائية كبيرة ضمن بيئة عمرانية، في الصفات الجمالية والجاذبية البصرية للمدينة. كما كانت موقعًا مثاليًا لتجمع الناس في مختلف النشاطات الترفيهية والترويجية مثل صيد الأسماك والسباحة والنزهات على حد سواء.

لقد أضعف إخفاء شبكة أنابيب المياه الجوفية الأهمية المعمارية والجمالية للمياه في المدن. كما فقدت المعالم المائية، كالنوافير والجداول والبرك، وظيفتها في إمداد المياه أو توزيعها وتحولت إلى زخارف وزينة للمدينة. ويعزى التنوع الحالي في الميزات المائية أساسًا إلى وجود نوافير ومنحوتات مائية تزيّن الساحات والمتنزهات الحضرية، وإلى وجود مسطحات مائية كالبحيرات والمسابح في المتنزهات الحضرية والأماكن الترفيهية. وتكشف دراسة الأمثلة الأولى استخدام المياه في الأماكن العامة وعمليات تخطيط هذه الأماكن وتصميمها وإدارتها أنه لا يوجد تعارض بين القيم الجمالية لمحاولة التصميم، والتي هي نتاج الزخارف والزينة، والمسائل العملية مثل وظيفة المكان واستخدامه وتكلفته واقتصاده. بل على العكس من ذلك، يُقال إن الزخارف والزينة تساهم في تحسين وظيفة الحيز المكاني المعني بطرق مختلفة.

يجب أن تشمل إدارة المياه المستقبلية في المدن مختلف جوانب التصميم المتعلق بالمياه للاستفادة من ميزات هذا العنصر الحيوي لمدننا. ولذلك ينبغي، بعد فترة طويلة من إهمال المياه في الأماكن العامة، تغيير إدارة المياه المستقبلية في المدن الإيرانية لتستعيد الجمال والنعمة اللذَين تجلبهما المياه إلى فضاءاتنا؛ أثناء استخدام مختلف قدراتها لخلق فضاء ممتع وجيد الأداء؛ ولتوفير الراحة في عالم يزداد احترارًا، مع الاستفادة القصوى من الكمية المحدودة من المياه عبر الحد من استخدامها وإعادة تدوير واستخدام المياه المستخدمة.

الممارسات المجتمعية مقابل المشاريع الحكومية الضخمة

كانت أساليب إدارة المياه التقليدية في أجزاء مختلفة من إيران ثمرة دورات مستدامة. فقد ورث السكان المقيمون في كل منطقة من البلاد الأساليب عن أسلافهم ونقلوا المعارف إلى الأجيال اللاحقة. وقد طورت أجيال جديدة الكثير من هذه الأساليب والتقاليد. ونجم عن هذه الممارسات المحلية لإدارة المياه في كل منطقة مناخية تفاعلٌ خاص بين الإنسان والموارد المائية. ونظرًا إلى اعتمادها على موارد مائية محلية، فإن صيانة البنية التحتية للمياه تحتاج إلى عمل مستمر لا يمكن ضمانه إلا بتعاون المجموعات المحلية وبمشاركة أفراد كل مجتمع مشاركة فعالة في إدارة مواردهم المائية. ولذلك لم تكن المجتمعات مسؤولة عن بناء البنية التحتية للمياه الخاصة بها وصيانتها فحسب، بل هي مسؤولة أيضًا عن إدارة المياه المتاحة وتوزيعها بين الناس. وفي إيران، تحكم ذلك في البنية الاجتماعية للمجتمعات التي أرست حقوقها في الملكية، وفي استخدام مختلف مصادر المياه وتوزيعها، قبل فترة طويلة من تطور الحضارة الإسلامية. ولكن، في وقت لاحق خلال الحضارة الإسلامية، جُمعت هذه التقاليد الشفهية والمبادئ الأخلاقية وجرى تدوينها لتشكل مجموعة من قواعد ولوائح إدارة الموارد المائية للمجتمع. وشكّل العاملون في صيانة محطات المياه وإنشائها، والخبراء المؤهلون للقياس، والوكلاء المستعدون لتسجيل توزيع المياه وفرض ضريبة عليه وحلّ النزاعات المجتمعية الداخلية بشأن معايير التوزيع، جيشًا حقيقيًا قادرًا على ضمان الرقابة الدائمة من الدولة.

وعلى الرغم من التاريخ الطويل للاستخدام المحلي للموارد المائية وإدارة السكان المحليين لها، فإن بداية شبكة أنابيب المياه الحديثة في المناطق الحضرية في النصف الثاني من القرن العشرين غيرت النموذج نحو نهج ينطلق من القاعدة في الأنظمة التقليدية لإدارة المياه (التجميع والتخزين وغيرها) في المدن الإيرانية. ومع نمو المدن وتزايد احتياجاتها إلى المياه، بحثت المجتمعات عن مرافق حديثة لتوفير وصول سريع وسهل إلى المياه، ومن ثم، استُبدلت الممارسات والأساليب المجتمعية ببنية تحتية ضخمة إقليمية ووطنية للمياه في المناطق الحضرية. وفي المقابل، ومع تشييد بنية تحتية واسعة النطاق، ازداد دور الحكومة في تنفيذ مشاريع الأمن المائي وتشغيلها، وإمدادات المياه للمدن، والري، وشبكات الصرف الصحي. ونتيجة لانخفاض معدلات المشاركة المحلية في الإدارة الحالية للموارد المائية، فإن المعرفة المحلية التي تراكمت على مر القرون وانتقلت من جيل إلى آخر على وشك الاختفاء والضياع. وعلى الرغم من أن الحياة الحضرية الحالية لغالبية الإيرانيين تتوافر لها إمكانية الوصول المستمر إلى المياه العذبة، وارتفاع استهلاك الفرد من المياه في المناطق الحضرية بشكل كبير في العقود القليلة الماضية، فإن المواطنين لا يعرفون تفاصيل رحلة المياه من مصدرها إلى مطابخهم وحماماتهم.

ضرورة التحول في نموذج إدارة المياه في المناطق الحضرية

يستند النموذج الحالي لإدارة المياه في المناطق الحضرية في إيران إلى أهداف اقتصادية، ويفتقر كثيرًا إلى الاعتبارات البيئية والاجتماعية والجمالية. ويجب أن تتغير إدارة المياه في المدن الإيرانية لتتجاوز وظيفتها الأساسية المتمثلة بإدارة إمدادات المياه ومياه الصرف ومياه الأمطار في المدينة، وتشمل أهدافًا بيئية وجمالية واجتماعية واقتصادية أخرى لتحقيق منافع متعددة للمدينة ومواطنيها. فمثل هذا النظام في إدارة المياه يلبي طلب المجتمع على المياه، ويصبح سمة من سمات تخطيط الأماكن العامة وتصميمها وإدارتها في البيئة الحضرية، ويعزز الجودة البصرية للمدينة، ويقلل من الأضرار البيئية. وأخيرًا، فإنها تحسن القدرة على تحمّل التغيرات المناخية المستقبلية.


[1] جُمعت البيانات من مركز الإحصاء الإيراني.

[2] كاوه مدني، "إدارة المياه في إيران: ما أسباب الأزمة الوشيكة؟"، مجلة الدراسات والعلوم البيئية 4، العدد 1 (2014)، ص 315-328.