العنوان هنا
تقييم حالة 25 أبريل ، 2021

سياسة جو بايدن في الشرق الأوسط بين المثالية والواقعية

خالد هاشم

باحث في العلاقات الدولية.

مقدمة

مثّل فوز جو بايدن في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 مناسبةً لطرح تساؤلات وآراء حول الاتجاه المحتمل للسياسة الخارجية الأميركية في العالم عمومًا، وفي منطقة الشرق الأوسط خصوصًا، لما تمثّله هذه المنطقة من أهمية محورية بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، بغضّ النظر عن اختلاف الإدارات المعنية.

تنطلق إشكالية هذه الورقة من الاختلاف الكبير بين مجموعة الآراء المطروحة بشأن سياسة الرئيس جو بايدن المتوقعة تجاه الشرق الأوسط؛ إذ هناك رأيٌ يرى أنّ سياسته ستكون امتدادًا لسياسة الرئيس الأسبق باراك أوباما وهي جزء منها، ومن ثمّ، من المتوقع أن يطرأ تعديل على سياسة الرئيس السابق دونالد ترامب وقراراته. ويتبنّى رأيٌ ثانٍ فكرة أنه لن يطرأ تغيير على الأهداف بين سياستي بايدن وترامب، وأنّ الرئيس الجديد سيسعى لتحقيق الأهداف نفسها، لكن بوسائل أخرى. ويرى رأي ثالث، متحفظ نوعًا ما، أنّ أيّ تغيير سوف يتم بالتدرج.

على الرغم من تعدّد هذه الآراء بشأن سياسة بايدن في الشرق الأوسط، فإن فرضية هذه الورقة تقوم على أنه مع تغير الإدارة الأميركية الجديدة والانتقال من رئيس جمهوري (ترامب)، قليل الخبرة السياسية، إلى رئيس ديمقراطي (بايدن) يُعتبر سياسيًا مخضرمًا، فمن المتوقع أن تكون السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط قائمة على الموازنة بين القيم والمبادئ الأميركية (الرؤية المثالية) التي تدافع عنها، والمصالح الأميركية والأمن القومي الأميركي (الرؤية الواقعية). وسيتم تطبيق تلك الفرضية القائمة على الممازجة بين المثالية والواقعية على ثلاثة ملفات مهمة في الشرق الأوسط، يبدو أنها حظيت بالاهتمام في مقابل غيرها من ملفات المنطقة بالنسبة إلى بايدن، وهي: حرب اليمن والعلاقة بالمملكة العربية السعودية، وإيران وبرنامجها النووي، وتراجع أهمية الشرق الأوسط بالنسبة إلى الولايات المتحدة.

أولًا: حرب اليمن والعلاقة بالسعودية

يحكم إدارة الرئيس جو بايدن اتجاهان مختلفان في سعيها لإعادة صوغ العلاقة بالسعودية: اتجاه واقعي وآخر مثالي[1].

1. أنصار الاتجاه الواقعي

يدعو أنصار هذا الاتجاه إلى الحفاظ على المصالح الأميركية في المنطقة والعالم، وكذلك الإبقاء على التحالف الأميركي - السعودي التقليدي، من منطلق ثروة السعودية الضخمة ومواردها النفطية ومكانتها في سوق الطاقة العالمية. وكلّها عوامل تحتّم الحفاظ على التحالف الاستراتيجي معها. واستنادًا إلى هذه المقاربة، فإن للولايات المتحدة والسعودية جملةً من المصالح المشتركة، منها الحفاظ على استقرار أسواق النفط ومكافحة الإرهاب والتطرف. وعليه، يمكن السعودية أن تساهم في الاستقرار الإقليمي، ومن ذلك على سبيل المثال، إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات النووية وإنهاء حرب اليمن.

2. أنصار الاتجاه المثالي

يدعو هذا الاتجاه إلى التزام القيم التي تجسّدها الولايات المتحدة، وأخذها في الاعتبار، مثل حقوق الإنسان. ومن ثمّ، يدفع أنصاره نحو إعادة ضبط العلاقات الأميركية - السعودية وتقويمها على هذا الأساس. ويرى أنصار هذا الاتجاه، أيضًا، أنّ مصالح السعودية غالبًا ما تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة، كما أنّ منظومتَي قيمهما نادرًا ما تتوافقان، ولا سيما في مجال حقوق الإنسان. ويشدد هؤلاء على أنّ سياسات السعودية، خصوصًا في السنوات الأخيرة، عززت نفوذ إيران بدلًا من أن تقلّصه، ثمّ إنّ الحملة العسكرية التي أطلقتها في اليمن، في عام 2015، لم تهزم حليف إيران هناك، أي الحوثيين، بل تسببت في كارثة إنسانية ورسّخت النفوذ الإيراني. ويخلص هؤلاء إلى أنّ التحالف الأميركي - السعودي القائم حاليًّا، أصبح مكلفًا بالنسبة إلى الولايات المتحدة وعبئًا عليها أيضًا.

3. إعادة صوغ العلاقة

سعت إدارة بايدن لانتهاج مقاربة في التعامل مع المملكة العربية السعودية وحربها في اليمن، تختلف عن المقاربة التي اتّبعتها إدارة ترامب السابقة، قائمة على أساس إعادة صوغ العلاقة مع المملكة. وفي سبيل ذلك سعت إدارة بايدن لمجموعة من الخطوات والإجراءات من خلال صياغة جديدة قائمة على الموازنة بين القيم والمصالح في سياستها الخارجية تجاه السعودية. وأهم تلك الخطوات:

  • في ما يتعلق بقتل خاشقجي: اتهم تقرير للاستخبارات الأميركية وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بجريمة قتل الصحافي السعودي المعارض، جمال خاشقجي، لكن في الوقت نفسه لم تفرض عقوبات عليه، مبرّرة ذلك بأن الولايات المتحدة لا تعاقب قادة الدول التي تربطها بها علاقات دبلوماسية، بل فرضت وزارة الخارجية عقوبات هامشية على 76 مسؤولًا سعوديًّا، من بينهم المتورطون في مقتل خاشقجي، وآخرون، بسبب تهديدهم معارضين سعوديين في الخارج[2].
  • وقف العمليات الهجومية: صرّح بايدن بشأن الحرب في اليمن أن "هذه الحرب يجب أن تنتهي، ولتأكيد التزامنا، فإننا ننهي الدعم الأميركي كله للعمليات الهجومية في الحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة"[3]. لكن هذا لا يعني أنّ الولايات المتحدة ستتوقف عن القتال في اليمن. فوفقًا للإدارة، ستستمر في ضرب مقاتلي تنظيم "القاعدة" وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" هناك، للتأكد من أنهم لا يستطيعون استخدامها قاعدةً لتدبير مؤامرات ضدها وضد حلفائها في المنطقة.
  • دعم الدفاع عن السعودية: يشير بايدن إلى أن "السعودية تواجه هجماتٍ صاروخيةً، وضرباتٍ بطائرات من دون طيار وتهديدات أخرى من الفصائل المدعومة إيرانيًا في دول عدة". لذلك، أضاف: "سنواصل دعم السعودية ومساعدتها في الدفاع عن سيادتها وسلامتها الإقليمية وشعبها"[4].
  • المسار الدبلوماسي:عيّن بايدن الدبلوماسي المخضرم تيموثي ليندركينغ، مبعوثًا خاصًا له إلى اليمن، قائلًا إن ليندركينغ سيعمل مع الأمم المتحدة ومع "جميع أطراف النزاع للضغط من أجل حل دبلوماسي"[5]. وكثيرًا ما كانت السياسة الأميركية تجاه اليمن تمر عبر السعودية، غير أن بايدن هذه المرة عيّن ليندركينغ مبعوثًا خاصًا إليها، وهي أول مرة تكون فيها السياسة الأميركية مباشرة تجاه هذا البلد العربي.
  • إلغاء تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية: بعد 24 ساعة من خطاب بايدن الذي ألغى فيه الدعم الأميركي للعمليات الهجومية في اليمن، أبلغت الخارجية الأميركية، الكونغرس نيّتها إزالة الحوثيين من قوائم الإرهاب، وتمّ ذلك[6]. وبررت الإدارة الأميركية ذلك الإجراء بدواعٍ إنسانية.

يتضح مما سبق أنّ إدارة بايدن تدرك التعقيدات في إعادة صوغ علاقتها بالمملكة العربية السعودية، وتحاول تحقيق نوع من التوازن بين القيم التي تزعم أنها تمثّلها والمصالح الأميركية في المنطقة. ففي الوقت الذي تنتقد هذه الإدارة الحرب التي تقودها السعودية ضد الميليشيات الحوثية في اليمن، أكدت تعهداتها بالتزام حماية أراضي المملكة ضد أي تهديد خارجي، ولا سيما الهجمات التي يشنّها الحوثيون على منشآت في العمق السعودي. وفي الوقت الذي يتّهم تقرير استخباراتي وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان بتورطه في مقتل خاشقجي، لا تفرض عقوبات عليه، وذلك لأهمية دور الرياض في تحقيق مصالح الولايات المتحدة في المنطقة وأمنها القومي.

ثانيًا: إيران وبرنامجها النووي

سيختلف بايدن عن سلفَيه (أوباما وترامب) في هذا الموضوع أيضًا، حيث تقوم سياسته على الموازنة بين القيم والمصالح الأميركية، وكذلك مقاربات الرئيسين السابقين تجاه منطقة الشرق الأوسط.

يمكننا تلمّس هذه السياسة من خلال مجموعة من المؤشرات والخطوات التي أطلقها، ومنها:

  1. اعتمد الرئيس السابق ترامب على سياسة الضغط، بدلًا من الدبلوماسية، استراتيجيةً للتعامل مع إيران، ضمن ما سمّي سياسة "الضغوط القصوى" التي تبنّتها إدارته، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران في أيار/ مايو 2018، وما ارتبط بذلك من عقوبات اقتصادية. وعلى الرغم من ذلك، فإنه لم ينجح في إخضاع طهران لإرادته؛ إذ تحمّلت إيران الضغوط، ولم ينعكس ذلك على سياساتها، وهو الأمر الذي يعيه بايدن جيدًا. على الرغم من اتفاق بايدن مع سلفه ترامب في تقييد البرنامج النووي الإيراني وإيقاف ممارسات إيران العدائية في المنطقة، فإنّ من المرجح أن ينتهج بايدن سياسات مغايرة عن تلك التي تبنّاها ترامب في سبيل تحقيق ذلك. وعلى خلاف النهج أحادي الجانب الذي انتهجه الرئيس ترامب، تقوم عقيدة بايدن في التعامل مع إيران، على مقاربة مختلفة؛ فإضافة إلى الدبلوماسية، يرغب بايدن في الحفاظ على القيود الاقتصادية والاستفادة من الضغوط القصوى لإدارة ترامب وسيلة ردعٍ ودفعٍ نحو استكمال المفاوضات[7].
  2. يحاول بايدن أن يوسع شروط التفاوض مع طهران من خلال إدراج ملفات جديدة، مثل ملف الصواريخ البالستية والسلوك الإقليمي لطهران في المنطقة، وكذلك توسيع دائرة التفاوض بإشراك أطراف إقليمية ودولية؛ إذ يدرك بايدن أنّ العودة إلى الاتفاق النووي الذي تخلّى عنه ترامب، من دون الاستجابة إلى نشاطات طهران الأخرى المزعزعة للاستقرار في المنطقة، لا تحسّن فرص نجاح سياساته تجاه طهران. ونراه يقوم أيضًا بإلغاء تصنيف ميليشيات الحوثي، منظمة إرهابية، وتجميد العقوبات المفروضة على عدد من عناصره، وهذا يحمل في طياته رسائل إيجابية إلى إيران، ما من شأنه أن يدعم المفاوضات بينهما في خصوص الاتفاق النووي على أساس أنّ ميليشيات الحوثي وكيل لطهران في اليمن[8].
  3. في إطار الرد على الهجمات التي يشنّها وكلاء إيران على القواعد الأميركية في العراق، قصفت القوات الأميركية مواقع لميليشيات مدعومة من إيران في سورية، مشيرة إلى أنّها تجاوزت الخطوط الحمراء أكثر من مرة، وكان على الولايات المتحدة أن تعاقبها. وأوضحت الإدارة الأميركية أيضًا، أنه على الرغم من نهجها الدبلوماسي، فإنها لن تتردد في استخدام القوة "عندما يكون هناك اعتداءات، والخروج عن الخطوط الحمراء التي وضعتها"، مؤكدةً أنّ في هذه الحالة "سيكون هناك رد قاسٍ على هذه الميليشيات". وصوّرت إدارة بايدن تلك الضربات على أنها محدودة ومتناسبة ومؤشرٌ على التزام بايدن ضبط النفس، وبعث رسالة واضحة إلى طهران، مفادها أنّ الهجمات على الجنود أو الحلفاء الأميركيين لن تقابَل بالصمت، لكن الحوار لا يزال الهدف الأول والأخير[9].

يتضح مما سبق، أنه إذا كان أوباما قد اعتمد سياسة الجزرة، وترامب سياسة العصا، فيبدو أنّ بايدن يفضل مزيجًا من الانخراط والحوار، مع بعض الضربات الموضعية على الوكلاء، ومع استمرار العقوبات والضغط الدبلوماسي[10]. ففي حين تسعى الإدارة الأميركية للعودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه الإدارة السابقة، وتبنّي استراتيجية الضغوط القصوى، نراها لم تتخلّ تمامًا عن الضغوط واستخدام القوة أحيانًا للرد على التصرفات الإيرانية، كما حصل عند قصفها مواقع ميليشيات تابعة لإيران في سورية ردًّا على هجماتها على القوات الأميركية في العراق، ضمن تحرّك محسوب من قبل تلك الإدارة، وتحذيرًا من أنه يجب عليها ألّا تعبث مع الولايات المتحدة، لكن بايدن لم يكن حادًا إلى درجة أن يغلق الباب أمام الدبلوماسية.

ثالثًا: تراجع الأهمية الاستراتيجية للشرق الأوسط

يحكم اليوم اتجاهان علاقة الولايات المتحدة الأميركية بالشرق الأوسط، هما:

  1. اتجاه يرى أنّ منطقة الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، وربما منذ إدارة أوباما، شهدت تراجعًا في أهميتها الاستراتيجية، وبدأ التحول في الاهتمام منها إلى آسيا، وهو ما يُعرف بالتحوّل إلى آسيا. ويعود ذلك إلى أنّ أهمية نفط الشرق الأوسط انخفضت بالنسبة إلى الولايات المتحدة بعد أن اقتربت من تحقيق الاكتفاء الذاتي في الطاقة، أو أنّ الولايات المتحدة توسعت في استخدام البدائل الجديدة للطاقة، أو أنّ الفرص والمخاطر في آسيا أصبحت أكبر نتيجة اتساع الأسواق الآسيوية التي تمثل فرصًا كبرى لتصدير المنتجات الأميركية إليها، أو نتيجة الصعود الصيني الذي يمثل خطرًا على المصالح الأميركية في القارة الآسيوية[11].
  2. يحذّر اتجاه آخر أنصاره من الانسياق وراء المعطى القائل إن الولايات المتحدة، بوصفها أكبر منتج عالمي للنفط حاليًّا، لم تعد تعتمد على استيراد النفط على نحوٍ ينفي الحاجة إلى استمرار بقائها في الشرق الأوسط. ويشددون على أنّ الشرق الأوسط يبقى أكبر مصدر للنفط في العالم، وهو مهم بالنسبة إلى استقرار الأسعار. كما أنّ هذه المنطقة أكبر مصدّر للنفط إلى الصين، منافس الولايات المتحدة الرئيس. ثمّ إنّ أيّ فراغ في المنطقة، سيقود إلى تحولات جيوستراتيجية عميقة فيها، وفي سائر أنحاء العالم أيضًا، ومن ثم ستحاول الصين وروسيا ملأه، وهذا ما يبيّنه الدور الروسي في سورية، والنفوذ الصيني المتزايد في إيران[12].

على الرغم من مساعي الإدارة الأميركية لتقليل الانخراط في منطقة الشرق الأوسط، ونقل محور التركيز إلى آسيا والمحيط الهادئ، فإنّ التحولات التي تشهدها المنطقة تثبت أنّ القوات والموارد الأميركية، إن لم تكن المصالح الأميركية المباشرة، لا تزال تواجه فيها أكبر المخاطر. ولهذا تعمل إدارة بايدن على الموازنة بين التوجه نحو آسيا وإعادة تخصيص الموارد الأميركية للقضايا الشرق أوسطية الأكثر إلحاحًا، التي سيكون تحقيق تقدّم فيها بوابة لتحقيق إنجازات في قضايا أخرى. وكذلك نقل العديد من المهمات، سواء الأمنية أم السياسية إلى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، في ظل سعي إدارة بايدن للحفاظ على علاقاتها الاستراتيجية بحلفائها وتعزيز الشراكات الإقليمية التي تُعدّ إحدى ركائز السياسة الخارجية الأميركية الاستراتيجية، ولا سيما في وقت تسعى الإدارة لإعادة إيران إلى طاولة المفاوضات النووية، والتوسط في السلام بين الحكومة اليمنية وميليشيات الحوثي المدعومة من إيران[13].

تؤمن إدارة بايدن بأنّ الانسحاب الأميركي من المنطقة وعدم الانخراط في أزماتها، سيخلقان إشكالياتٍ وتحدياتٍ تفرض على الولايات المتحدة إعادة الانخراط المكثف مجددًا فيها، وتخصيص موارد أكثر من ذي قبل للتعامل مع تداعيات هذا الانسحاب الذي لا يؤثر في مصالح حلفائها الاستراتيجيين في المنطقة وأمنهم فحسب، بل في مصالح أميركا وأمنها، ولا سيما مع تحوّل المنطقة إلى ساحة للمنافسة مع خصومها الاستراتيجيين الدوليين والإقليميين. ويمكننا تلخيص أهم تحديَين تواجههما الإدارة الأميركية كالآتي[14]:

  • التحدي الأول: من الصعب أن تنسحب الولايات المتحدة نهائيًا من منطقة الشرق الأوسط من دون أن يكون لهذا الانسحاب عواقب على مصالحها. فالولايات المتحدة لها مصلحة ملحّة في هذه المنطقة نظرًا إلى المشكلات التالية: تنامي النفوذ الروسي، وطموحات إيران في الهيمنة، وعودة المنظمات الإرهابية، وعدم الاستقرار السياسي والعنف الذي ساد المنطقة. وهذه كلها مشكلات حقيقية تواجه الإدارة الأميركية. صحيح أنّ الولايات المتحدة تحاول أن تطلب من حلفائها في المنطقة أن يبذلوا جهدًا أكبر في التعامل مع مشكلاتها (المنطقة)، لكن يتضح أنّهم غير قادرين من دون دعم أميركي كبير.
  • التحدي الثاني: من المرجّح أن تتبع عمليات الانسحاب الأميركي المتسرعة من المنطقة، عمليات إعادة متسرعة. فالولايات المتحدة غادرت العراق في عام 2011، وكادت أن تؤدي تلك الخطوة المتسرعة إلى انهيار الدولة العراقية التي أصبحت على المحك، وبرز تنظيم داعش، وكان التدخل العسكري الطارئ للولايات المتحدة ضروريًا لإصلاح ذلك. لكن لم تستطع هذه العودة إصلاح ذلك الضرر الناتج من الانسحاب غير المسؤول من المنطقة.

في النتيجة، سيكون لأيّ انسحاب أميركي من المنطقة اليوم، تداعياتٌ وعواقبُ كبرى، ومن ثم، سيكون الضغط للعودة إلى المنطقة والقيام بعمل عسكري حاسم مكلفًا جدًا، أيضًا.

لهذا تبنّت إدارة جو بايدن استراتيجية "الموازنة" بين سياساتها لمواجهة منافسة القوى العظمى عالميًا، والمصالح والأهداف الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وكذلك الموازنة بين الأداة الدبلوماسية والعمل العسكري، وإن كان بايدن سيجد صعوبة في الحفاظ على هذا التوازن بين المثالية (القيم والمبادئ) والواقعية (المصالح والأمن)، مع ظهور تحديات جديدة في المنطقة.

هكذا، يتضح أنّ بايدن يحاول المواءمة في سياساته الشرق أوسطية بين المثالية التي تؤكد أهمية القيم الأميركية في السياسة الخارجية، خصوصًا الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، والسياسات الواقعية التي تراعي المصالح الأميركية العليا في هذه المنطقة المهمة من العالم.


[1] وحدة الدراسات السياسية، "الاتجاهات المستقبلية للعلاقات الأميركية – السعودية"، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 11/3/2021، شوهد في 25/4/2021، في: https://bit.ly/2RT2CnU

[2] Phil Stewart, "U.S. Imposes Sanctions, Visa Bans on Saudis for Journalist Khashoggi's killing," Rreuters, 26/2/2021, accessed on 22/4/2021, at: https://reut.rs/3aCbYv4

[3] "Biden Announces End to US Support for Saudi-led Offensive in Yemen," The Guardian, 4/2/2021, accessed on 22/4/2021, at: https://bit.ly/3nlp3hu

[4] Jonathan Landay & Jarrett Renshaw, "Biden Ends U.S. Support for Saudi Arabia in Yemen, Says War 'has to end'," Reuters, 4/2/2021, accessed on 22/4/2021, at: https://reut.rs/3xkBzSJ

[5] Khaled H. Alyemany, "Optimism Mixed with Realism about the Biden Administration’s Promises on Yemen," Atlantic Council, 23/2/2021, accessed on 22/4/2021, at: https://bit.ly/2PqAaco

[6] "The Impact of Biden's Policy on Yemen War," Situation Assessment, Abaad Studies and Research Center, 10/3/2021, accessed on 22/4/2021, at: https://bit.ly/3tPd8ed

[7] سهير الشربيني، "إدارة بايدن ومستقبل الاتفاق النووي الإيراني"، السياسة الدولية، العدد 224 (نيسان/ أبريل 2021)، ص 164-166.

[8] "بعد تحرك بايدن: هل باتت نهاية الحرب في اليمن وشيكة؟"، بي بي سي عربي، 7/2/2021، شوهد في 22/4/2021، في: https://bbc.in/2NnSXnu

[9] عمرو عبد العاطي، "استراتيجية ’الموازنة‘ تحكم سياسة جو بايدن تجاه الشرق الأوسط"، السياسة الدولية، العدد 224 (نيسان/ أبريل 2021)، ص 148.

[10] Elise Labott, "Can Biden Finally Put the Middle East in Check and Pivot Already?, The New Administration, Like Previous Ones, has a Middle East Quagmire. But it’s Trying some Nuanced Moves to Break Free," Foreign Policy, 2/3/2021, accessed on 22/4/2021, at: https://bit.ly/3exR6WG

[11] محمد كمال، "مراجعات بشأن أمريكا"، الأهرام، 2/12/2020، شوهد في 22/4/2021، في: https://bit.ly/3nkdmav

[12] Steven A. Cook, "No Exit: Why the Middle East Still Matters to America," Foreign Affairs, November/ December 2020, accessed on 22/4/2021, at: https://fam.ag/3sQOnwT

[13] عبد العاطي، ص 149.

[14] Hal Brands, "Why America can't Quit the Middle East," Hoover Institution, 21/3/2019, accessed on 22/4/2021, at: https://hvr.co/3esqNBi