العنوان هنا
تقييم حالة 21 سبتمبر ، 2020

الجدل حول السلاح في الانتخابات الأميركية عام 2020

عماد حرب

مدير الأبحاث في المركز العربي بواشنطن، وهو مؤسس ومدير شركة "كويست للتحليلات عن الشرق الأوسط" Quest for Middle East Analysis. عمل، سابقًا، أستاذًا لدراسات الشرق الأوسط والعلوم السياسية في العديد من الجامعات الأميركية. كتب ونشر في العديد من الموضوعات، من أهمها العلاقات المدنية - العسكرية، والسياسة الإقليمية، والسياسة الأميركية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج العربي.

مقدمة

تعتبر دورة الانتخابات الأميركية لعام 2020 إحدى الدورات الأشد تأثيرًا في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية. فهي تلي دورة عام 2016 التي أوصلت الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومن ثم ستقرر هل سيعود لفترة رئاسية أخرى أم لا. لكنها ليست مقتصرة على انتخاب رئيس، بل ستنتخب أيضًا 435 عضوًا في مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون حاليًا، و34 عضوًا في مجلس الشيوخ ذي الأغلبية الجمهورية. وستجري أيضًا انتخابات عديدة على مستوى الولايات والحكومات المحلية ومبادرات واستفتاءات بخصوص قضايا مهمة للناخب الأميركي. ومن هذه القضايا الحق في حمل واستخدام الأسلحة النارية التي تؤثر في بعض الحالات في كيفية تقرير نتيجة هذه الانتخابات أو تلك، بما فيها انتخابات الرئيس والكونغرس. تناقش الورقة هذه القضية، وتنظر في الأسس الدستورية لهذا الحق، وتأثيراته المتنوعة ووجهات النظر المختلفة بشأنها، وكيف يفهمها المتنافسان: دونالد ترامب الرئيس الحالي، ومنافسه نائب الرئيس السابق جو بايدن.

ننطلق من بعض الإحصاءات التي نشرها مركز بيو للأبحاث في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، فقد أظهرت دراسة عن امتلاك الأسلحة في الولايات المتحدة الأميركية أن ثلاثة من كل عشرة أميركيين (30 في المئة) يقولون إن لديهم سلاحًا ناريًا شخصيًا. ومعظم هذه الأسلحة تستخدم لغرض الحماية الشخصية. ولكن 60 في المئة من الأميركيين يعتقدون بضرورة أن تكون قوانين الأسلحة أكثر تشددًا مما هي عليه الآن، ويتفق مع هذا الرأي 31 في المئة فقط من الجمهوريين، مقابل 86 في المئة من الديمقراطيين[1]. وبات امتلاك الأسلحة قضية سياسية. وقد نشرت مجلة تايم ضمن الإطار نفسه تقريرًا، في حزيران/ يونيو 2018، ذكر أن 46 في المئة من مليار سلاح ناري فردي في العالم (أي 393 مليون قطعة) يملكها أميركيون، وهو عدد يفوق مجموع ما يملكه مواطنون في 25 بلدًا تلي الولايات المتحدة في نسبة الحيازة[2].

نشأة الحق في حمل السلاح والجدل بشأنه

طُرح دستور الولايات المتحدة للنقاش في عام 1787، وصُدّق عليه في عام 1788، ودخل حيز التنفيذ في عام 1789. بعد اعتماده مباشرة، ظهرت دعوات لإضافة تعديلات تضمن الدفاع عن الحريات الشخصية وتحديد وظائف مؤسسات الدولة الجديدة. وتجسد ذلك في عشرة تعديلات أطلق عليها واضعوها اسم "وثيقة الحقوق" التي صُدِّق عليها في عام 1791، وتناولت قضايا مثل الحق في حرية التعبير والصحافة، فضلًا عن الحماية ضد تجريم الذات، وغيرها. ومن المتفق عليه عمليًا أن هذه التعديلات أصبحت الوثيقة التي جعلت الدستور ميثاقًا حيًا يعكس الاهتمامات اليومية للشعب الأميركي بعد إعلان الاستقلال مباشرة في عام 1776 وإنشاء الدولة الأميركية.

جاء التعديل الثاني للدستور لتكريس فهم المؤسسين لأهمية الأميركيين العاديين في الدفاع عن الدولة والأمة الجديدتين حين كانت الإمبراطورية البريطانية - باعتبارها السلطة السيادية السابقة في أميركا الشمالية - لا تزال تشكل تهديدًا، بل في الواقع لا تزال تنظم حملات عسكرية لاستعادتها. كما جاء التعديل لتقنين إشراك الناس في تشكيل قوات شعبية لدعم الجيش الأميركي الوليد، الذي كان ما يزال على أي حال، معتمدًا على قدرة الولايات في توفير التمويل والقوة البشرية اللازمين. لكن التعديل الثاني أصبح بالتدريج سببًا في مزيد من المشاكل في السياسة الأميركية بعد أن أصبحت الولايات المتحدة دولة راسخة ثم لاحقًا قوة عالمية.

ومنذ القرن الثامن عشر حتى الآن، دأب الأصوليون على التفسير الحرفي للتعديل بأنه تكريس دائم لمبدأ ثابت وغير قابل للتغيير في حرية الأفراد في امتلاك أسلحة نارية شخصية واقتنائها وتخزينها واستخدامها. ويعتقد هؤلاء أنهم يساعدون في الدفاع عن الوطن فضلًا عن ممارسة حقهم الدستوري في الملكية[3]. وعلى النقيض من ذلك، هناك من يرى أن التعديل استنفد فائدته منذ القرن الثامن عشر، وأن القوة العسكرية للولايات المتحدة قادرة على تجنيبهم أي دور لأفراد أو لقوات شعبية في الدفاع عن البلاد[4]. ويدعم ذلك واقع أنه، أولًا، لم يخضع الوطن الأميركي لأي غزو أو احتلال حتى يسعى الشعب إلى تحريره، وثانيًا، لم يشارك في مغامرات البلاد العسكرية في الخارج إلا الجيش النظامي الأميركي.

يقف بين هذين الموقفين الأميركيون الذين يرون أن التعديل بصيغته الأصلية في القرن الثامن عشر لم يعد صالحًا للتطبيق، ولكنهم يريدون الحفاظ على حق امتلاك أسلحة للحماية الشخصية، أو لمجرد الترفيه. وهم يقترحون صيغًا مختلفة لكيفية تلبية مضمون التعديل الثاني والتوفيق بينه وبين الوقائع الجديدة[5]. من حيث الجوهر، أصبح التعديل الثاني والحق في حمل السلاح من القضايا السياسية الأساسية المطروحة للنقاش شعبيًا، ليس في الانتخابات الفدرالية فحسب، بل في انتخابات الولايات والحكومات المحلية أيضًا. وأصبح الجدل بشأنها وفق تعبير السياسيين الأميركيين قضية انقسام، مثل مواضيع ثقافية أخرى كالإجهاض، وحقوق الأقليات، والتعليم، ودور المرأة، وحقوق المثليين، وغيرها.

على مدى العقدين الماضيين، ظهر تعقيد جديد في مناقشة الحق في حمل السلاح يتعلق بنوع الأسلحة الشخصية التي يحب الأميركيون امتلاكها أو يُسمح لهم بامتلاكها واستخدامها. وبالنسبة إلى المدافعين عن حق الفرد في حمل السلاح واستخدامه، نكاد لا نجد عندهم تمييزًا بين الأسلحة الصغيرة (مسدس، بندقية صيد ... إلخ) والأسلحة الآلية وشبه الآلية ذات الاستخدام العسكري. ويحق للأفراد في عدد كبير من الولايات شراء كلاشنكوف AK-47، أو بندقية AR-15 شبه آلية، أو رشاش عوزي، أو رشاش إم-16، وغيرها من الأسلحة الرشاشة. وتسمح ولايات عديدة أخرى للأفراد بشراء أسلحة "مباشرة" دون تدقيق شامل في البيانات الشخصية لمعرفة ماضي المشتري.

رغم ثبوت مسؤولية الأسلحة الصغيرة عن عدد كبير من الوفيات كل عام، فإن الضجة الأشد تتولد من حوادث إطلاق نار جماعي على أيدي أفراد يعانون مرضًا نفسيًا، مع العلم أن بعض هذه الحوادث ارتكبها أشخاص أسوياء تمامًا. كما أن بعض عمليات إطلاق النار الجماعية ارتُكبت بأسلحة صغيرة. ولكن سواء أكانت جرائم قتل فردية أم جماعية، فإن معدلات الوفيات في الولايات المتحدة بسلاح ناري مرعبة. فقد نشر مركز بيو للأبحاث في عام 2019 تقريرًا ورد فيه أن الوفيات بسبب الأسلحة النارية في الولايات المتحدة في عام 2017 (أحدث الإحصاءات المتاحة) بلغت نحو 40 ألف شخص، منهم نحو 60 في المئة انتحارًا و37 في المئة جرائم قتل فعلية[6]. أما بخصوص إطلاق النار الجماعي (4 ضحايا أو أكثر)، فمنذ اعتداء عام 2012 على مدرسة ساندي هوك الابتدائية في نيوتن بولاية كونيتيكت، والذي قتل فيه 20 طفلًا وستة معلمين على يد مسلح باستخدام بنادق شبه آلية ومسدسات[7]، وحتى تموز/ يوليو 2020، ارتُكب 2654 اعتداءً أسفرت عن مقتل 2908 أشخاص وجرح 11088 آخرين[8].

يتجلى الاستقطاب حول قضية السلاح في المجتمع الأميركي في دورة انتخابات 2020 بأشكال شديدة الخطورة، حيث ظهر عدد كبير من العنصريين المؤيدين للرئيس الحالي، وهم مسلحون، في مظاهرات تنادي بالعدالة الاجتماعية والمساواة بعد عدد من الأحداث المأساوية التي أدت إلى مقتل عدد من الأميركيين الأفارقة على يد عناصر الشرطة في مدن متعددة. ففي احتجاج حدث مؤخرًا في مدينة كينوشا بولاية ويسكونسن إثر إطلاق الشرطة النار سبع مرات على شاب أسود أعزل من الخلف، أطلق مراهق أبيض من ولاية إلينوي المجاورة النار على متظاهرين عزّل فقتل اثنين وأصاب ثالثًا بسلاح رشاش AR-15[9]. وفي 6 أيلول/ سبتمبر، كاد أن يحدث اشتباك بين عناصر ميليشيا يمينية وأخرى يسارية في لويزفيل بولاية كنتاكي (الولاية التي تسمح بحمل السلاح علانية) أثناء سباق الخيل السنوي في المدينة، حيث كانت حركة "حياة السود مهمة" قد دعت إلى تنظيم احتجاجات في هذه الفعالية لمطالبة السلطات بالتحقيق في مقتل امرأة سوداء غير مسلحة في المدينة قبل ستة أشهر[10]. لقد أصبحت الميليشيات المسلحة تشكل خطرًا فعليًا على سيادة القانون وسلطة الدولة، خاصة مع استغلال الرئيس الأميركي الانقسامات العديدة في المجتمع بما فيها ما يتعلق بالحق في حمل السلاح واستخدامه.

الاتحاد القومي للأسلحة

يعدّ الاتحاد القومي للأسلحة (The National Rifle Association) أكبر منظمات الضغط من أجل حق التسلح الفردي في الولايات المتحدة. أُسس في عام 1871 لتحسين مهارات الرمي وتعزيز المعرفة بالأسلحة والذخيرة، ويوجد على المستوى القومي ومستوى الولايات والمدن. ويُعتبر الاتحاد وفق التعبير السياسي الأميركي، منظمة ذات قضية وحيدة، حيث يتمحور كل نشاطاته ومنشوراته وممارساته للضغط وجمع التبرعات ويتركز نشاطه السياسي في تعزيز حق الفرد في حمل السلاح واقتنائه، إضافة إلى التأكيد على حرية الأميركيين قانونيًا في استخدامه[11].

ويبدو أن الاتحاد في الظروف السياسية الحالية في الولايات المتحدة وجد ملاذه في الحزب الجمهوري، رغم أن من يقتني أسلحة ويحملها في عموم البلاد هم جمهوريون وديمقراطيون ومستقلون وغيرهم. ومن المؤكد أن الرأي العام بات يرى أن الاتحاد استولى فعليًا على الحزب الجمهوري[12]. وأسباب الارتباط الوثيق الحالي بين الاتحاد والحزب الجمهوري عديدة، لكن أحد الأسباب المهمة حقيقة اجتماعية مفادها أن الحزب يتوقف مصيره السياسي بقدر كبير على المناطق الريفية المحافظة حيث تحظى ملكية السلاح بالقبول الثقافي ويُعتبر أداة مفيدة للدفاع الشخصي والترفيه. من المهم أيضًا الإشارة إلى أن المجتمعات الريفية عمومًا أكثر محافظة في القضايا الاجتماعية والدينية في الولايات المتحدة وتجد نفسها منجذبة إلى الحزب الجمهوري. ويصعب علينا في الواقع، رؤية كيف يمكن الحزب أن يكون أقل محافظة إذا كان جزء كبير من جمهوره يأتي من مناطق ريفية ذات قيم تقليدية ومحافظة.

لكن هناك أسباب أخرى مهمة وراء نفوذ الاتحاد في الحزب الجمهوري متعلقة بدعم المنظمة المالي أثناء الانتخابات والدورات الانتخابية. فالتقارير تفيد بأن الاتحاد أنفق 55 مليون دولار في انتخابات عام 2016، ذهب 30 مليون دولار منها لدعم حملة الرئيس ترامب وحدها. والواقع أنه في الانتخابات الرئاسية الأربعة الأخيرة (2004، و2008، و2012، و2016) ذهب الدعم المالي للاتحاد إلى الجمهوريين، ولم يستفد الديمقراطيون إلا بنسبة 1 في المئة[13]. هذا الاحتضان للحزب الجمهوري يتجلى عند الانتخابات حيث تدافع الأغلبية الساحقة من الجمهوريين الساعين وراء المناصب، بصراحة، عن التعديل الثاني في تفسيره التقليدي مع توجيه انتقاد لاذع للديمقراطيين بزعم رغبتهم في سلب الناس حريتهم.

لكن موقف المجتمع الأميركي الذي أصبح أكثر تفهمًا للفروق الدقيقة في حقوق الأسلحة ومسؤولياتها، جعل هذا الاتهام يفقد تأثيره بالتدريج. فضلًا عن ذلك، هناك اتفاق متزايد بين الأميركيين على ضرورة التشدد في قوانين اقتناء الأسلحة النارية واستخدامها. فمنذ عام 2011، ارتفعت نسبة هؤلاء باطراد من 44 إلى 64 في المئة، مع انخفاض نسبة الذين يعتقدون أن القوانين الحالية صحيحة تمامًا من 44 إلى 28 في المئة[14]. كما أصبح تدقيق البيانات الشخصية للمشتري محط اهتمام الناشطين ومجموعات المناصرة، ويستحسن حاليًا 97 في المئة من الأميركيين التوسع بهذه الضوابط. ومن القضايا الأخرى المماثلة سد الثغرات في مبيعات الأسلحة، والسيطرة على عمليات البيع غير القانونية، والمشتريات عبر الإنترنت، وتوحيد القوانين عبر حدود الولايات، وعدد كبير من الاهتمامات الأخرى[15].

يعمل الاتحاد القومي للأسلحة، إضافة إلى ممارسة ضغوط للحفاظ على حق امتلاك الأسلحة وحملها، على عرقلة التشريعات الهادفة لتنظيم تلك الملكية على المستوى الفدرالي ومستويات الولايات والمناطق المحلية، مع دور داعم للجمهوريين عمومًا في ذلك. وعلى العموم، صار لدى الولايات والمدن ذات الأغلبية الجمهورية في مجالسها التشريعية قوانين سلاح أكثر مرونة مما في الولايات ذات الأغلبية الديمقراطية، رغم وجود ولايات يسيطر عليها ديمقراطيون لديها قوانين خاصة بالأسلحة أقل تشددًا من غيرها. مع ذلك يمكننا القول عمومًا، إن نفوذ الاتحاد كمدافع عن حق الفرد في حمل السلاح واقتنائه يتضاءل بسبب مخالفات مالية لقادته، ومشاحنات ومنافسة داخلية، ومشاكل قانونية مع ولاية نيويورك مكان تسجيله. والحقيقة، إنه معرض لخطر الإغلاق بعد دعوة المدعي العام في نيويورك لإغلاقه[16].

ومع ذلك، فإن اختفاءه لن يعني بأي حال من الأحوال نهاية بروز قضية الحق في حمل السلاح في الانتخابات الرئاسية وغيرها. ففي الواقع يرجح أن يصوت المؤمنون بالتفسير الحرفي للتعديل الثاني لصالح ترامب، أما المعارضون فسيؤيدون بايدن. وثمة أيضًا في مختلف الولايات أشخاص يرغبون في مقاومة سلطة الولاية لحماية حقهم في حمل السلاح. فمثلًا ذكر تقرير مثير للقلق في كانون الأول/ ديسمبر 2019 أن أكثر من مئة هيئة قضائية محلية في فرجينيا وحدها تخطط لتحدي حق الولاية في تنظيم قوانين الأسلحة، مما يشكل من حيث الجوهر تحديًا خطيرًا للسلطتين التشريعية والتنفيذية في الولاية[17].

مواقف المرشحين من قوانين الأسلحة النارية

تمثّل القوانين التي تنظم امتلاك الأسلحة النارية وأنواعها واستخدامها وحملها وعرضها وكذلك إجراءات التدقيق في بيانات المشترين وغيرها جزءًا أساسيًا من الحرب الثقافية الدائرة في موسم الانتخابات الحالي في الولايات المتحدة. فأنصار التعديل الثاني يعتبرونه قضية مركزية تضعهم في تعارض مباشر مع المرشح الديمقراطي، على الرغم من تأثر موقفهم السياسي بعوامل أخرى أيضًا. وعمومًا يرى المدافعون عن فرض قيود على ملكية السلاح أن التعديل استنفد بالفعل فائدته ولا مانع من إلغائه. وهم إجمالًا يؤيدون جو بايدن في قضايا الأسلحة واستخدامها، رغم وجود قضايا أخرى أيضًا تؤثر في اختيارهم للرئاسة. لكنّ مؤيدي التعديل الثاني نصًا وروحًا هم بالتأكيد الأكثر تشددًا ويعتبرونه العامل الأساسي المقرر لتصويتهم هذا العام.

موقف جو بايدن

لم يدافع نائب الرئيس السابق عن إلغاء التعديل الثاني بل كانت له بعض المواقف العامة بخصوص بنوده المتعلقة بقواعد وأحكام ملكية السلاح وقضايا أخرى. وصيغ موقفه على أفضل وجه على موقعه الإلكتروني[18] حيث تتضمن حملته شرحًا شاملًا لسجلّه الطويل وإنجازاته بخصوص هذه القضية فضلًا عن وعوده الرئاسية الأخرى، والتي تتمثل باختصار في:

  • حظر تصنيع وبيع الأسلحة الهجومية ومخازن الذخيرة ذات السعة الكبيرة إضافة إلى إعادة شرائها ممّن يمتلكها الآن. فلقد استُخدمت في عمليات إطلاق نار قاتلة أودت بحياة عدد من الأشخاص في مدارس ودورٍ للسينما وغيرها.
  • تنظيم حيازة الأسلحة النارية واستخدامها، مثل طلب إجراء تدقيق بيانات المشترين. والمقلق هنا هو أن أشخاصًا مرضى نفسيًا يمكنهم شراء سلاح دون علم السلطات بحالتهم، واستخدامه ضد آخرين.
  • تقييد شراء الأسلحة وامتلاكها لأي شخص بقطعة واحدة في الشهر. وهذا في الواقع لا يساهم في تحقيق ثقافة أكثر أمنًا بخصوص الأسلحة، ولكن بايدن يعتقد أنه يخفض عدد الأسلحة لدى الناس عمومًا.
  • سد الثغرات المتعلقة بالتدقيق في البيانات الشخصية وشراء الناس للأسلحة، وزمن انتظار تخليصها أثناء التدقيق.
  • إلغاء عمليات الشراء عبر الإنترنت حيث يمكن أي شخص شراء سلاح. وقد يتيح ذلك إرسال مستندات مزوّرة أو تقديم معلومات غير دقيقة.
  • تعزيز سلطة الولايات بتنظيم إصدار تراخيص لعمليات شراء أسلحة نارية وحيازتها قانونيًا.

من الجدير بالذكر أن جميع مرشحي الرئاسة الديمقراطيين في هذه الدورة طرحوا أثناء الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين مواقف بايدن نفسها لكن بصيغ مختلفة، رغم أن بعضهم مضى أبعد قليلًا من آخرين. لكنهم جميعًا، بمن فيهم بايدن، ظلوا ضمن الموقف المقبول لعامة الناس بخصوص هذه القضية.

موقف دونالد ترامب

لم يطرح الحزب الجمهوري برنامجًا جديدًا للانتخابات الحالية ولم يتغير موقفه وموقف ترامب من التعديل الثاني وقضايا الأسلحة النارية عن عام 2016. ومن المؤكد أن الجمهوريين قرروا هذا العام "مواصلة دعمهم بحماس لأجندة الرئيس أميركا أولًا"[19]. عمومًا، يسود اعتقاد بين الجمهوريين - من الرئيس إلى جميع المسؤولين المنتخبين تقريبًا على المستوى الفدرالي ومستويات الولايات والمناطق المحلية - بأن التعديل الثاني من أهم تعديلات الدستور الأميركي. واعتبره برنامج الحزب لعام 2016 يحمي ما يعتقد الجمهوريون أنه حق طبيعي وغير قابل للتصرف في حمل السلاح[20].

أكد الرئيس ترامب أثناء توليه منصبه، إيمانه العميق بالحق في امتلاك السلاح وحمله، باستثناء مناسبات قليلة اضطر فيها إلى مجاراة بعض التغييرات المقترحة على الطرح الأساسي للجمهوريين. وحفلت تلك المناسبات بنقاشات ساخنة حول ما يجب فعله حيال إطلاق النار في المدارس عندما اقترح عليه السياسيون سن تشريع بشأن نوع الأسلحة المسموح للمدنيين امتلاكها. ولكن حتى حينذاك، كان عليه التراجع بسبب التكلفة السياسية التي كان يخشى دفعها إذا وافق على التغييرات المقترحة. فمثلًا في ربيع 2018، بعد أن راودته فكرة تقييد السلاح بعد إطلاق نار في إحدى مدارس فلوريدا، عاد وانضم إلى الاتحاد القومي للأسلحة في مقاومة أي تغييرات في القوانين الحالية. حتى إنه تبنى الفكرة التي اقترحها المحافظون بأن طريقة معالجة حوادث إطلاق النار في المدارس ربما تكمن في تسليح المعلمين[21]. ومع الاستقطاب المسيطر على المجتمع الأميركي، ليس لدى ترامب اليوم أي ملاذ سوى الثبات على موقفه التقليدي من هذه القضية حتى لا ينفض المحافظون والجمهوريون اليمينيون والداعمون عن حملته. وحتى لو كان يؤيد قوانين السيطرة على السلاح - وهو ليس كذلك - فلن يجرؤ على تجاوز قاعدة الحزب في هذه الانتخابات شديدة المنافسة.

خاتمة

إن قضية التعديل الثاني وحق الأميركيين في امتلاك أسلحة نارية وحملها، ليست مقتصرة على انتخاباتٍ محددة أو فترة زمنية. ونظرًا إلى ارتباطها بتفسير أيديولوجي للدستور الأميركي، ستبقى مثار اهتمام فلسفي نشط بالنسبة إلى الليبراليين والمحافظين والديمقراطيين والجمهوريين وسكان المدن وسكان الأرياف، وغيرهم. ولذلك ستظل قضية سياسية تعكس استقطابًا خطيرًا في المجتمع الأميركي. وحتى الآن، لم تتوصل التجارب السابقة مع ملكية السلاح وقوانين تنظيمه إلى حسم الجدل المستمر حولها. ولن تقدم الانتخابات الرئاسية المقبلة إجابة قاطعة عن المسار القادم لهذه القضية. وشأنه شأن قضايا أخرى لم تُحل في الحكم الديمقراطي الأميركي، سيظل التعديل الثاني والقوانين التي تحكم تنفيذه قضية مطروحة في انتخابات رئاسية عديدة مقبلة.




[1] John Gramlich & Katherine Schaeffer, “7 Facts about Guns in the U.S.,” Pew Research Center, 22/10/2019, accessed on 3/2/2020, at: https://pewrsr.ch/33sX2e5

[2] Edith Lederer, “Americans Own 46% of the World’s 1 Billion Guns, Says U.N. Report,” Time, 18/6/2018, accessed on 3/2/2020, at: https://bit.ly/3hBxJeW

[3] “United States: Gun Ownership and the Supreme Court,” Library of Congress, [n.d.], accessed on 5/3/2020, at: https://bit.ly/2Rqnq2P

[4] John McNamara, “The Fight to Bear Arms: Challenging the Second Amendment and the U.S. Constitution as a Sacred Text,” European Journal of American Studies, vol. 12, no. 2 (2017), accessed on 25/2/2020, at: https://bit.ly/3kiO363

[5] Alexander Nazaryan, “Second Amendment Rights Have Limits, Despite What Republicans Say,” Newsweek, 9/10/2017, accessed on 5/3/2020, at: https://bit.ly/3kk3omZ

[6] John Gramlich, “What the Data Says about Gun Deaths in the U.S.,” Pew Research Center, 16/8/2019, accessed on 5/9/2020, at: https://pewrsr.ch/3bZpQig

[7] “Sandy Hook School Shooting,” History, 14/12/2012, accessed on 9/9/2020, at: https://bit.ly/3iLaL6J

[8] German Lopez & Kavya Sukumar, “After Sandy Hook, We Said Never Again,” Vox, 21/7/2020, accessed on 9/9/2020, at: https://bit.ly/3khADHy

[9] Steven Groves & Bernard Condon, “Teen Accused of Killing 2 Thrust into Debate over Protests,” ABC News, 28/8/2020, accessed on 8/9/2020, at: https://abcn.ws/32wpPiH

[10] Chuck Culpepper et al., “Tension Rises in Louisville, While Violence Breaks out in Rochester, Portland,” The Washington Post, 6/9/2020, accessed on 8/9/2020, at: https://wapo.st/2FGF0g5

[11] “A Brief History of the NRA,” The National Rifle Association, [n.d.], accessed on 5/3/2020, at: https://bit.ly/3mrKo86

[12] Amber Phillips, “The NRA-ification of the Republican Party,” The Washington Post, 14/8/2015, accessed on 5/3/2020, at: https://wapo.st/3kkvjTL

[13] Peter Stone & Ben Wieder, “NRA Spent More than Reported in 2016 Election,” McClatchy DC, 6/10/2017, accessed on 6/9/2020, at: https://bit.ly/3mhXAMF

والواقع أن المقال استشهد بمصادر لم يسمِّها ذكرت أن الاتحاد القومي للأسلحة أنفق نحو 70 مليون دولار على دورة انتخابات عام 2016. والرقم البالغ 55 مليون دولار هو ما أُعلن للسلطات.

[14] “Guns,” Gallup, [n.d.], accessed on 5/9/2020, at: https://bit.ly/2E2BDQh

[15] “Gun Laws, Loopholes, and Violence,” Brady United, [n.d.], accessed on 6/9/2020, at: https://bit.ly/3kkf6hg

منظمة برادي يونايتد، أنشأها جيم وسارة برادي. كان جيم برادي السكرتير الصحفي للرئيس الأسبق رونالد ريغان عندما حاول جون هينكلي اغتيال الرئيس في آذار/ مارس 1981. أصيب برادي بجرح في الرأس أصابه بالشلل جزئيًا طوال حياته.

[16] Robert Spitzer, “The NRA is Doomed. It Has Only Itself to Blame,” TheWashington Post, 8/8/2020, accessed on 5/9/2020, at: https://wapo.st/3hC8OYx

[17] Tyler Arnold, “Over 100 Localities Plan to Defy Virginia Gun Laws, One Dem Suggests National Guard Enforcement,” The Center Square, 24/12/2019, accessed on 3/2/2020, at: https://bit.ly/33z0Omc

[18] “The Biden Plan to End Our Gun Violence Epidemic,” Biden-Harris, [n.d.], accessed on 8/9/2020, at: https://bit.ly/2H6e2zz

[19] Tom Porter, “Republicans Will not Adopt a New Platform at This Week’s Convention and Will Instead Pledge to ‘Enthusiastically Support Trump’,” Business Insider, 24/8/2020, accessed on 8/9/2020, at: https://bit.ly/3kjTlhL

[20] “Republican Platform 2016,” University of California at Santa Barbara, The American Presidency Project, 18/7/2016, accessed on 8/9/2020, at: https://bit.ly/2H6dvO5

[21] Jeff Mason & Daniel Trotta, “Trump Back in Step with NRA after Doubts Over Parkland Shooting,” Reuters, 4/5/2018, accessed on 8/9/2020, at: https://reut.rs/3mkKSwt