العنوان هنا
تقييم حالة 19 أكتوبر ، 2020

التصويت "التقدمي" في الانتخابات الرئاسية الأميركية

يوسف منير

"زميل باحث غير مقيم في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فرع واشنطن، وعضو في هيئة تحرير مجلة الدراسات الفلسطينية. تتركز كتاباته على الصراع العربي الإسرائيلي، وينشر دوريًا في نيويورك تايمز وواشنطن بوست وذا نيشن وبوسطن غلوب وفورين بوليسي ومجلة الدراسات الفلسطينية وميدل إيست بوليسي، وغيرها. حاصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية والسياسة المقارنة من جامعة ميريلاند في الولايات المتحدة الأميركية.

مقدمة

يدلي الأميركيون هذا العام بأصواتهم في انتخابات بالغة الأهمية، تتحدد فيها مصالح كبيرة لكل قطاعات المجتمع. من ناحية، فرض الرئيس الجمهوري الحالي، دونالد ترامب، ظروفًا خطيرة وشائكة على الأمة بوصفها وحدة سياسية منظمة، وأحدثت خطاباته وسياساته الفرقة والارتباك. ومن ناحية أخرى، يبدو أن منافسه الديمقراطي، نائب الرئيس السابق، جو بايدن، قد حصل على دعم قطاعات متنوعة من الناخبين، بما في ذلك محافظون كثر يعارضون السلوك السياسي الاعتباطي لترامب داخليًا وخارجيًا.

من الكتل الانتخابية هذا العام واحدة ذات اتجاه تقدمي ناشئ داخل الحزب الديمقراطي، بدأ يؤثر في الكيفية التي ينظر بها الحزب إلى السياسات الأميركية الداخلية والخارجية. وسيكون لهذه الكتلة، بلا شك، تأثير في نتائج انتخابات عام 2020. تبحث هذه الورقة في دور التقدميين في هذه الانتخابات. ولكن أولًا، تفسر ما المقصود بالتصويت التقدمي؟ وكيف صوّت التقدميون تاريخيًا؟ وماذا يُستدل من القرائن السابقة عن كيفية تصرفهم في الانتخابات المقبلة؟

ما هو التصويت التقدمي؟

كثيرًا ما تُطرح كلمة "تقدمي"، لكن من غير الواضح دائمًا ما تعنيه. ففي حين أنها تشير إلى جمهور ناخبين من الشقّ اليساري للطيف السياسي الأميركي، لا يُعرف الجمهوريون والمحافظون على أنهم تقدميون، بيْد أن غموضًا ما زال يكتنف ما هو أبعد من ذلك. فتيار السياسيين الرئيس في صفوف الديمقراطيين والليبراليين لا يريدون أن يُنظر إليهم على أنهم إما مناهضون للتقدمية وإما أنهم من أقصى اليسار. ولعل خير طريقة للتفكير فيما يمكن أن يعرّف التقدميين، بحسب مجالات الاهتمام، هي ما يرونه من سرعة التغيير ونطاقه، إذ يميل التقدميون إلى الالتفاف حول نهج التغيير بدرجة أكبر من نظرائهم الأكثر وسطيةً[1]. فمثلًا، بدلًا من توسيع إمكانية الوصول إلى سوق الرعاية الصحية، يفضلون الرعاية الصحية الشاملة عبر برنامج تديره الحكومة، وبدلًا من الزيادات التدرجية في الحد الأدنى للأجور التي تأخذ في الاعتبار التفاوتات الإقليمية في الدخل، فإنهم يفضّلون أجرًا وطنيًا شاملًا أعلى، وبدلًا من جعل التعليم الجامعي ميسورَ التكلفة عن طريق الإعفاء التدرجي من الرسوم الدراسية لفئات الدخل المحدود، فإنهم يفضلون التعليم الجامعي المجاني الشامل في المعاهد الحكومية.

وإذا تجاوزنا المنافع العامة ونظام الرعاية الصحية، فقد تشكلت مواقف تقدمية معينة بصدد تاريخ الولايات المتحدة الفريد في الاستعمار العرقي والاستيطاني، ونزعتها العسكرية، ونظامها الرأسمالي. ففيما يتصل بالعلاقات بين الأعراق، تتزايد دعوات التقدميين إلى إيجاد حلول جذرية لمشاكل وحشية الشرطة مثلًا، في حين يركز نظراؤهم الوسطيون على إصلاح أكثر محدودية. وفيما يتعلق بالهجرة، يدعم التقدميون إصلاحات شاملة كبرى للنظام بأكمله، وتُفصل عن قضية الأمن. أما ما يتعلق بالبيئة، فيدعم التقدميون المعالجات الجريئة والواسعة النطاق لأزمة المناخ التي تشمل استثمارات ضخمة لإحداث ثورة في الاقتصاد الأميركي بعيدًا عن الوقود الأحفوري. وأخيرًا، بشأن السياسة الخارجية، فلا يرجح دعمهم النزعة العسكرية والتدخل، ويركزون بدلًا من ذلك على المساءلة في مجال حقوق الإنسان.

هناك دعم شعبي متنامٍ في السنوات الأخيرة لمواقفهم في عدد من السياسات هذه، وهو ما دفع إلى إبراز مكانة شخصيات سياسية عديدة في مجال الترشح السياسي[2]. ومن أبرز هؤلاء السيناتور بيرني ساندرز (فيرمونت) الذي يصوّت عادةً مع الديمقراطيين في مجلس الشيوخ، وله سيرة عمل طويلة في واشنطن، ولكن يصعب وصفه بأنه شخصية من مؤسسة الحكم (إستبلشمنت). وفي المقابل، ساعد في تأسيس التكتل التقدمي في الكونغرس، والذي سجّل نموًا كبيرًا وسعى إلى جر الحزب الديمقراطي باتجاه أكثر يسارية. فبعد سنوات في مجلس النواب ثم مجلس الشيوخ، ترشح ساندرز لمنصب الرئاسة في عام 2016. والواقع أن ترشحه، كما ترشح ترامب، لم يؤخذا على محمل الجد من قِبَل أغلب المعلقين والمحللين في السياسة الأميركية. ولكن ساندرز وترامب استندا إلى تيارات سياسية في الولايات المتحدة كانت تنمو منذ سنوات، يمكن تمييزها عمومًا بسمة نفورها من سياسات مؤسسة الحكم.

إذا تجاوزنا المنافع العامة ونظام الرعاية الصحية، فقد تشكلت مواقف تقدمية معينة بصدد تاريخ الولايات المتحدة الفريد في الاستعمار العرقي والاستيطاني، ونزعتها العسكرية، ونظامها الرأسمالي. ففيما يتصل بالعلاقات بين الأعراق، تتزايد دعوات التقدميين إلى إيجاد حلول جذرية لمشاكل وحشية الشرطة مثلًا، في حين يركز نظراؤهم الوسطيون على إصلاح أكثر محدودية. وفيما يتعلق بالهجرة، يدعم التقدميون إصلاحات شاملة كبرى للنظام بأكمله، وتُفصل عن قضية الأمن. أما ما يتعلق بالبيئة، فيدعم التقدميون المعالجات الجريئة والواسعة النطاق لأزمة المناخ التي تشمل استثمارات ضخمة لإحداث ثورة في الاقتصاد الأميركي بعيدًا عن الوقود الأحفوري. وأخيرًا، بشأن السياسة الخارجية، فلا يرجح دعمهم النزعة العسكرية والتدخل، ويركزون بدلًا من ذلك على المساءلة في مجال حقوق الإنسان.

ورغم أن الأميركيين استمروا في انقسامهم حول مسار السياسات الأفضل للتقدم، فإن هناك شعورًا متناميًا - بين معارضي السياسة المعتادة - بمن لا ينبغي له أن يقود هذه المسيرة، ولا سيما الأشخاص الذين كانوا على رأس الدوائر السياسية الأميركية على مدى العقود العديدة الماضية. بلغت نسبة الاستياء من الكونغرس، قبل موعد انتخابات عام 2016 نحو 75 في المئة[3]. وكانت نسبة كبيرة من الأميركيين على استعداد للنظر في خيارات طرف ثالث[4]. استفاد ساندرز وترامب من هذه التيارات التي رفضت السياسات التقليدية لنظام الحزبين. وكان ممكنًا مباشرةً تصنيف هيلاري كلينتون في عام 2016 مع سياسات مؤسسة الحكم، وخاصةً الحرس القديم للحزب الديمقراطي التي كانت المرشحة الأضعف له في سباقها عام 2008 ضد السيناتور باراك أوباما، إذ صوّت الحزب ولاحقًا البلاد لوافد جديد نسبيًا كان على يسار كلينتون، وأعاد انتخابه في عام 2012.

أظهر نجاح ساندرز في عام 2016 تناميًا في التأييد لنهج سياسات أكثر تقدمية[5]، وحصد ملايين الأصوات وجذب حشودًا ضخمة في مناسبات جمعه الأموال لحملته من تبرعات صغيرة. ورغم أنه سقط في الانتخابات التمهيدية وخسر أمام كلينتون، فإن نموذجه ألهم العديد من المرشحين الآخرين، بما في ذلك مجموعة شابة من الأعضاء الجدد في الكونغرس الذين انتُخبوا في عام 2018، وفازت دفعة أخرى في معارك الانتخابات التمهيدية في عام 2020[6]. وفي حملة ساندرز في عام 2020، أيده هؤلاء الوافدون الجدد وساهموا في حملته قبل أن يتنازل في الانتخابات التمهيدية لصالح بايدن. فعلى مدى هذه السنوات الأربع، تحولت الحركة التقدمية التي قادها ساندرز وساعد على نموها إلى قوة سياسية لا يستهان بها، ولم يعد من الممكن إبعادها إلى هوامش دوائر السياسة الأميركية.

كما تزامن هذا التحول مع تحول أيديولوجي كبير في السياسات الأميركية اتسم بقدر كبير من الاستقطاب. ففي عام 2014 مثلًا، وجد مركز بيو للأبحاث[7] أن نسبة الأميركيين الذين كانوا يحملون وجهات نظر مختلطة أيديولوجيًا (مرةً ليبراليون في قضايا معينة، ومحافظون مرات أخرى) انخفضت بدرجة ملحوظة عما كانت عليه في عام 2004 وقبل عقد من ذلك أيضًا. فمثلًا، أفادت صورة موجزة للمركز في عام 1994، عن الوضع في الولايات المتحدة في الفترة الرئاسية الأولى لبيل كلينتون أن وجهات نظر 49 في المئة من الأميركيين مختلطة، في حين أن 3 في المئة فحسب كانوا ليبراليين على طول الخط، و7 في المئة كانوا محافظين كذلك. وبحلول عام 2014، تراجعت نسبة الوسطيين بدرجة ملحوظة، مع 39 في المئة فقط لديهم وجهات نظر مختلطة. أين تحولت نسبة 10 في المئة؟ أغلبها إلى اليسار. وفي عام 2014 أيضًا، كان لدى ما يقرب من 34 بالمئة خليطٌ من وجهات نظر يسار الوسط، بينما تضاعفت النسبة المئوية لمن يحمل وجهات نظر ليبرالية ثابتة 4 مرات على مدى 20 عامًا، من 3 في المئة في عام 1994 إلى 12 في المئة في عام 2014. لقد تحوّل وسط الحزب الديمقراطي نحو اليسار، وكان القطاع الأسرع نموًا في قاعدته هو اليسار أيضًا.

كيف صوت التقدميون في الماضي؟

كيف، إذًا، صوت التقدميون في الماضي؟ وماذا يفيدنا سلوك التصويت هذا بما يمكن أن نتوقعه من التقدميين في الانتخابات العامة المقبلة؟ قبل التحولات الأيديولوجية التي وسمت الانقسام الحزبي في الولايات المتحدة على مدى السنوات العشرين الماضية، أُقصي إلى هامش الدائرة السياسية الأميركية أولئك اليساريون الذين كانوا يؤيدون بعض الأفكار التي يؤيدها التقدميون اليوم. وأُغلقت مسارات سن أجندات سياسية داخل الحزب الديمقراطي، أحد الحزبين الرئيسين في عالم السياسة الأميركية. لكن بدأ ذلك في التغير في عام 2016 بالتأييد الذي نالته حملة ساندرز، وغيَّر النجاح الذي شهدته الحملة تصوّر ما هو ممكن داخل الحزب الديمقراطي.

نافس ساندرز بشراسة، من دون أي خجل من اشتراكيته، على الفوز بترشيح الحزب للرئاسة على الرغم من العديد من العقبات التي أدت إلى تفضيل مرشحة مؤسسة الحكم هيلاري كلينتون. حطم ذلك التأييد وتلك الحيوية التصور عن الحزب الديمقراطي بأنه لا يقبل أن يكون قاطرة لأجندة تقدمية. فرغم المهمات الشاقة التي لازمت مسار التقدميين، أظهرت الانتخابات التمهيدية في عام 2016 أن التحولات الأيديولوجية التي كانت جارية في جميع أنحاء البلاد بدأت في التجسد في احتمالات سياسية لم تكن موجودة في السابق. ولم يكن لدى المرشحين التقدميين قبل ذلك سوى آفاق ضئيلة بالتنافس على المستوى الوطني، وربما يشعر التقدميون آنذاك بغربة عن الحزب كافية لدفعهم إلى التصويت لمرشح طرف ثالث أو عدم التصويت على الإطلاق.

لم تنتهِ حملة الانتخابات التمهيدية الساخنة في عام 2016 إلا بعد مؤتمر الحزب في تموز/ يوليو عند فوز كلينتون بالترشيح لتأمينها أساسًا دعم المندوبين الكبار (مسؤولو الحزب المنتخبون في المؤتمر). وأظهرت استطلاعات الرأي في الانتخابات العامة أن 10 في المئة فقط من الناخبين الذين دعموا ساندرز في الانتخابات التمهيدية صوّتوا لصالح ترامب بدلًا من كلينتون، وهي نسبة صغيرة نوعًا ما، فمن المحتمل دائمًا حدوث بعض الهجران. فمثلًا، في عام 2008، انتهى الأمر بـ 25 في المئة من الناخبين الذين صوتوا لكلينتون في الانتخابات التمهيدية ضد أوباما، بالتصويت في الانتخابات العامة في وقت لاحق من ذلك العام لصالح المرشح الجمهوري السيناتور جون ماكين ضد أوباما[8]. لكنّ ثمة تعقيدًا إضافيًا في المشهد، لأن الأصوات في الانتخابات التمهيدية لا تقتصر دائمًا على أعضاء الحزب، ويمكن للمستقلين أحيانًا التصويت فيها، تبعًا لقواعد كل ولاية على حدة[9]. وكان أداء ساندرز جيدًا على نحو خاص بين المستقلين أثناء الانتخابات التمهيدية[10]. وأظهر تحليلٌ لتلك البيانات أن الانتماء الحزبي لناخبي ساندرز السابقين في الانتخابات التمهيدية له علاقة كبيرة بكيفية تصويتهم في الانتخابات العامة، فأولئك المعروفون بشدة انتمائهم إلى الديمقراطيين صوّتوا على الأرجح لصالح كلينتون، أما أولئك المعروفون بشدة استقلاليتهم فعلى الأرجح صوّتوا لصالح ترامب[11].

الانتخابات بين عامي 2018 و2020

ظهرت أدلة متزايدة على المسارات المتنامية للتقدميين في الحزب الديمقراطي في انتخابات الكونغرس وغيرها في عامي 2018 و2020. ففي انتخابات عام 2018 مثلًا، استعاد الديمقراطيون أغلبية مجلس النواب بحصولهم على 41 مقعدًا[12]. لكنّ إنجاز التقدميين الأكبر كان فوز عدد من المرشحين التقدميين في انتخابات تمهيدية في ذلك العام، متغلّبين على ديمقراطيين من مؤسسة الحكم. فمرشحات كان ساندرز يؤيدهن جميعًا في انتخاباتهن التمهيدية مثل ألكسندريا أوكاسيو كورتيز، وإلهان عمر، ورشيدة طليب، وأيانا بريسلي، أصبحن جميعًا أعضاء في مجلس النواب[13]. وتَواصل هذا الاتجاه في عام 2020 مع عدة مرشحين تقدميين تغلبوا على ديمقراطيين من مؤسسة الحكم أو حلوا محلهم. وخسر أعضاء ديمقراطيون قدامى مثل إليوت إنجل، ووليم لاسي كلاي، ودان ليبنسكي، الذين أمضوا مجتمعين 67 سنة في عضوية الكونغرس، أمام تقدميين صاعدين مثل جمال بومان، وكوري بوش، وماري نيومان[14]. كما فاز تقدميون آخرون في انتخابات تمهيدية في أماكن أخرى.

تُرجم التحول الأيديولوجي في أميركا على مدى سنوات إلى تحول في القوى داخل التكتل الديمقراطي. فالتكتل الديمقراطي في الكونغرس الذي شارك في تأسيسه آنئذٍ النائب بيرني ساندرز في عام 1991 مع 10 نواب تقريبًا، نما حاليًا ليصبح أكبر تكتل داخل الحزب، حيث جمع نحو 97 عضوًا من أصل 233 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس النواب[15]. وانقسم البقية بين زمرتين أيديولوجيتين، هما: الديمقراطيون الوسطيون الجدد، ثاني أكبر تكتل ويكاد يعادل تقريبًا التكتل الديمقراطي، وهناك التكتل الأكثر محافظة في الحزب الديمقراطي وهو تكتل "الكلب الأزرق" الذي تضاءلت أعداده بدرجة ملحوظة على مر السنين. ومن المرجح أن يتواصل ذلك الاتجاه في انتخابات عام 2020، وأن تسفر عن أعداد أكبر للتكتل التقدمي في مجلس النواب. ويرجح أن تبرهن هذه القوة الجديدة عن درجة أهمية كبيرة مع بلوغ عام 2022، عندما يتوقع أن تتنحى نانسي بيلوسي عن منصب رئاسة مجلس النواب[16]، ومن المؤكد أن معركة ستحتدم على رئاسة مجلس النواب ستحدد شكل الكونغرس لسنوات قادمة.

ما الذي يمكن توقّعه من الديمقراطيين في الانتخابات العامة في عام 2020؟

هناك مجموعة واسعة من القضايا التي يمكن أن تفرّق وتحفّز الجمهوريين والديمقراطيين مثل الرعاية الصحية، والرعاية الاجتماعية، وتغير المناخ، والهجرة، والأمن، وغيرها. لكن ما يجعل انتخابات عام 2020 فريدة هو أن أيًا من هذه القضايا ليس في صدارة الاهتمام قبل الانتخابات. بل إن هذه الانتخابات هي في الغالب استفتاء على دونالد ترامب. وأظهرت استطلاعات الرأي أثناء الانتخابات التمهيدية أن الناخبين اختاروا بايدن على حساب ساندرز لأنهم يشعرون أن بايدن لديه فرصة أكبر للتغلب على ترامب، وهزيمة ترامب كانت أشد أهمية من أي قضية أخرى، حتى لو كانوا يميلون أكثر إلى الاتفاق مع ساندرز على حساب بايدن في قضايا سياسات معينة[17]. ويؤكد استطلاع حديث هذا الاتجاه، مع نسبة تقارب 70 في المئة من الديمقراطيين يقولون إنهم يصوّتون لصالح بايدن ضد ترامب، ولا يقول إلا 22 في المئة فقط إنهم يفعلون ذلك على الأغلب لأنهم يتفقون حقًا مع مواقف بايدن السياسية[18].

ربما لم يفضل التقدميون بايدن في الانتخابات التمهيدية، بل على الأرجح كانوا يفضلون رؤية ساندرز أو السيناتورة إليزابيث وارين (ماساتشوستس-د) على رأس القائمة، لكنهم على الأغلب سيدلون بأصواتهم لصالح بايدن في تشرين الثاني/ نوفمبر 2020. هناك سببان مهمان لحدوث ذلك، يكمن أولهما في أن الأغلبية الساحقة من التقدميين ينتمون إلى الحزب الديمقراطي، وقد أدلوا بأصواتهم لصالح مرشح الحزب في السابق، وسيستمر هذا الاتجاه. أما ثانيهما فيتمثل في أنه حتى العدد الضئيل من التقدميين الساخطين الذين قد يكونون انقطعوا عن الحزب بعد منافسة مريرة جدًا في الانتخابات التمهيدية في عام 2016، يُرجّح أن يتوحدوا حول مرشح الحزب لأن الانتخابات التمهيدية انتهت منذ زمن طويل ولم يشكك في شرعيتها.

لكن الأمر الأهم، أن السبب الرئيس وراء اصطفاف التقدميين خلف بايدن هو أن هذه الانتخابات متعلقة بترامب والخطر الذي يمثله، ليس فقط على الديمقراطيين بل على نظام الحكم الأميركي بأكمله. وعندما يُزاح ترامب عن الطريق، فإن الصراع على السلطة داخل الحزب الديمقراطي سيتواصل بالتأكيد، لكن تلك معركة ليوم آخر.



[1] Tara McKelvey, “What does it mean to be a progressive in the US?” BBC, 5/2/2016, accessed on 18/10/2020, at: https://bbc.in/31gtNe8

[2] Steve Liesman, “Majority of Americans Support Progressive Policies such as Higher Minimum Wage, Free College,” CNBC, 27/3/2019, accessed on 18/10/2020, at: https://cnb.cx/3j5XtRz

[3] “Congressional Job Approval,” Real Clear Politics, accessed on 18/10/2020, at: https://bit.ly/3lVLqYM

[4] Byron Tau, “More Americans Consider Third-Party Options,” The Wall Street Journal, 24/5/2016, accessed on 18/10/2020, at: https://on.wsj.com/37jp6Eb

[5] Ronald Brownstein, “Bernie Sanders's Successful Insurgency,” The Atlantic, 7/4/2016, accessed on 18/10/2020, at: https://bit.ly/3j9BXLF

[6] Eliza Collins, “Bernie Sanders’s Allies Aim to Keep Shaking Up Democratic Party,” The Wall Street Journal, 8/4/2020, accessed on 18/10/2020, at: https://on.wsj.com/2T7fVOV

[7] “Political Polarization in the American Public,” Pew Research Center, 12/6/2014, accessed on 18/10/2020, at: https://pewrsr.ch/34af3PO

[8] Danielle Kurtzleben, “Here's How Many Bernie Sanders Supporters Ultimately Voted For Trump,” National Public Radio, 24/8/2017, accessed on 18/10/2020, at: https://n.pr/3o4gUO8

[9] Ruobing Su & Grace Panetta, “Here are all the States where you have to register as a Democrat to vote in the Presidential Primary,” Business Insider, 30/1/2020, accessed on 18/10/2020, at: https://bit.ly/3k8tSrO

[10] Dan Hopkins, “Why Sanders Does Better With Independents,” Five Thirty Eight, 18/4/2016, accessed on 18/10/2020, at: https://53eig.ht/3jaWOhu

[11] Kurtzleben.

[12] Khorri Atkinson, “Democrats won the House with the Largest Midterms Margin of all Time,” Axios, 27/11/2018, accessed on 18/10/2020, at: https://bit.ly/3dCwZ8T

[13] Elaine Kamarck, Alexander R. Podkul & Nicholas W. Zeppos, “Progressives Versus the Establishment: What’s the Score, and does it Matter?” Brookings, 12/7/2018, accessed on 18/10/2020, at: https://brook.gs/3dCdFbQ

[14] Astead W. Herndon, “Progressive Victories Signal Staying Power for the Movement,” The New York Times, 5/8/2020, accessed on 18/10/2020, at: https://nyti.ms/3k8vgL2

[15] Geoffrey Skelley, “The House Will Have Just as Many Moderate Democrats as Progressives Next Year,” Five Thirty Eight, 20/12/2018, accessed on 18/10/2020, at: https://53eig.ht/3dBxjF3

[16] Mike DeBonis, “Pelosi Strikes Deal with Rebels, will Step Aside by 2022 to Win Speaker Votes,” The Washington Post, 13/12/2018, accessed on 18/10/2020, at: https://wapo.st/346tKn4

[17] John Nichols, “Biden Prevails, Even Though Voters Prefer Bernie’s Ideas,” The Nation, 11/3/2020, accessed on 18/10/2020, at: https://bit.ly/3jbgv8S

[18] Shibley Telhami & Stella Rouse, “American Attitudes toward American Domestic Politics,” University of Maryland, Critical Issues Poll (August 2020), accessed on 18/10/2020, at: https://bit.ly/37jkbDo