مقدمة
ثمّة دروس كثيرة يمكن استخلاصها من العمليات العسكرية التي تحدث في أتون الحرب على قطاع غزة اليوم، أحدها أنّ التصعيد البالغ الذي مارسته الأطراف المختلفة في استخدامها المسيّرات، أو المركبات الجويّة من دون طيار Drones، جعل من الأخيرة عنصرًا أساسيًا في الاستراتيجيات العسكرية التي يعتمدها الفاعلون من الدول (الدولتيون) والفاعلون ما دون الدول (غير الدولتيين) على حد سواء؛ إذ توفّر لهم جميعًا القدرة على تنفيذ عمليات متنوعة، من دون حاجة إلى الوجود المباشر للبشر في الميدان، على نحوٍ يقلّص المخاطر التي قد تواجهها القوات المنضوية تحت كل طرف.
وفي الحرب على غزة، توسّع الفاعلون من الدول، مثل إسرائيل وإيران، في توظيفهم تكنولوجيا المسيّرات المتقدمة، تمامًا كما استخدم الفاعلون ما دون الدول، مثل حركة المقاومة الإسلامية "حماس" وحزب الله وجماعة أنصار الله "الحوثيين"، بدورهم، مسيّرات لضرب المواقع الإسرائيلية والإرباك في العمليات العسكرية. وهذا ما يجعل هذه الحرب نقطة تحوّل فريدة؛ حيث إنها أول مرة في التاريخ تستخدم مجموعة واسعة من الفاعلين المسيّرات في الصراع. ففي حين اعتُبر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" رائدًا في التسليح الواسع للمسيّرات ذات النطاق التجاري، وعُدّت الحرب في أوكرانيا، منذ فترة طويلة، ساحة معركة رئيسة لعمل المسيّرات، فإن الحرب على غزة انفردت بإقحامها أبعادًا جديدة، فرضها التنوع الكبير في الأطراف المشاركة، وفي المسيّرات المستخدمة (سواء أكانت تجارية أم عسكرية متقدمة)، وفي تطبيقاتها الاستراتيجية.
يسعى هذا التحليل الاستراتيجي لاستكشاف الفاعلية القتالية للمسيّرات في الحرب الجارية على غزة، وذلك بتفحّص دورها، وأنواعها، وعملياتها والتداعيات الاستراتيجية الواسعة الناجمة عن استخدامها. ويطرح، على وجه التحديد، الأسئلة الآتية: ما مدى فاعلية المسيّرات في القتال؟ وما الدور الذي تؤديه في الحرب الدائرة رحاها في غزة؟ وكيف أثّرت في مستقبل الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وقواعد الاشتباك في المنطقة؟
