مراجعة كتاب "الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي"

العنوان: الدولة المستحيلة: الإسلام والسياسة ومأزق الحداثة الأخلاقي

         الكاتب: وائل حلاق

ترجمة: عمرو عثمان

    الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

         سنة النشر:  2014

         عدد الصفحات: 352

 الدولة سؤالًا مركزيًّا في الفكر الإسلامي

لا يغيب عن كلّ باحث في الفكر الإسلامي الأثر الذي خلّفه انهيار الدولة العثمانيّة على العالم الإسلامي وانعكاسه على هذا الفكر، من خلال تضخّم هواجس الهويّة والخصوصيّة الثقافيّة، وبروز سؤال الدولة محاولةً لتجاوز الأزمة.

وعلى الرغم من مركزية مفهوم الدولة الإسلامية (أو الخلافة) في خطاب الحركات الإسلامية كجماعة الإخوان المسلمين أو حزب التحرير، فإنّنا لا نجد بحثًا حقيقيًا في مفهوم هذه الدولة وبنيتها وكيفية تطبيقها، وظلّت مرتبطةً بمفاهيم وشعارات مثل الحاكمية وتطبيق الشريعة وغيرها فقط .

 وحتّى عندما تجاوز الإسلاميون المفاهيم الصلبة عن الدولة الإسلامية، وقبلوا بصورة الدولة الحالية إطارًا للعمل السياسي وطريقًا لتحقيق الدولة الإسلامية؛ لم نجد تنظيرًا وافيًا عن الدولة ، فمن جهة لم تدرس بنية الدولة الحديثة، وبالأخصّ بنية الدولة في العالم العربي (و يطلق عليها جزافًا لفظ الحديثة)، بمعنى أنّ الواقع ما زال مبهمًا بالنسبة إلى الإسلاميّين، ومن جهة أخرى، لم يُدرس نمط الحكم الإسلامي تاريخيًا بصورة وافية، ما أوقع الإسلاميّين في مأزق في التعامل مع الواقع.

وحديثنا في هذا البحث سيتناول كتابًا أثار جدلًا واسعًا عن مفهوم الدولة الإسلامية، وقد جاءت آراؤه جريئةً ليس في نقد هذا المفهوم وحسب، بل في مساءلة مشروع الحداثة الذي كان سببًا رئيسًا في بروز سؤال الدولة الإسلامية، وهو كتاب الدولة المستحيلة للدكتور وائل حلاق.

وائل حلاق باحث كندي (من أصل فلسطينيّ) مختصّ في الدراسات الفقهية، درّس في جامعة ماكغيل في كندا، وانتقل إلى جامعة كولومبيا في نيويورك ليكون أستاذًا للإنسانيات والدراسات الإسلامية في قسم دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا. وللباحث العديد من الأعمال اللافتة في تاريخ الفقه وأصوله، وخصص لها مجموعة كتب مثل: تاريخ النظريات الفقهية الإسلامية: مقدمة في أصول الفقه السنّي، وكتاب الشريعة: النظرية والتطبيق والتحولات.

تتركّز أطروحة كتاب الدولة المستحيلة على مفهوم الدولة الإسلامية، والأساس الذي تقوم عليه الأطروحة هو وجود تناقض داخلي في هذا المفهوم، ما يجعله مستحيل التحقق، وأصل هذا التناقض يعود إلى أنّ إمكانية تحقق دولة إسلامية يعدّ أمرًا مستحيلًا في ظلّ أيّ تعريف للدولة الحديثة.

وعلى عكس ما يثيره الانطباع الأول من عنوان الكتاب، والذي يشعرنا للوهلة الأولى أنّ الكاتب سيصب جهده نحو نقد دعاة الدولة الإسلامية وتطبيق الشريعة، بالنظر إلى أنّ هذا المشروع غير ممكن التحقق في العصر الحديث، فإنّ جهد وائل حلاق ينصبّ بالدرجة الأولى على نقد الحداثة ومشروعها، مبيّنًا أنّ عدم إمكانية تحقق الدولة الإسلامية يعود إلى خلل أخلاقي في الدولة الحديثة (هي أبرز منتج لمشروع الحداثة)، وأنّ بنية الحكم الإسلامي تاريخيًا - وقد تميز بالأخلاقية - يتعارض مع بنية الدولة الحديثة.