العنوان هنا
تقييم حالة 03 مايو ، 2020

أثر جائحة كورونا في عملية السلام في أفغانستان

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

مقدمة

وقّعت الولايات المتحدة الأميركية وحركة طالبان الأفغانية، في العاصمة القطرية، الدوحة، في 29 شباط/ فبراير 2020، اتفاقًا يمهد الطريق أمام الانسحاب الكامل للقوات الأميركية، وقوات حلف شمال الأطلسي "الناتو"، من أفغانستان، بعد أكثر من 18 عامًا من الحرب والاحتلال. وفتح الاتفاق الباب أمام حصول مفاوضات أفغانية - أفغانية بين الحكومة وحركة طالبان لحل جميع الخلافات والمسائل المعلقة. لكنّ متغيرًا مهمًا ظهر وبات يهدد بتقويض عملية السلام، وهو تفشي وباء فيروس كورنا المستجد (كوفيد-19). وقد جاء انتشار الجائحة ليضاف إلى الصعوبات التي كانت تواجه العملية أصلًا نتيجة الخلاف على منصب الرئاسة، وتصاعد العنف إثر تعرقل عملية تبادل الأسرى بين الحكومة وطالبان، والتي كان يفترض أن تتم مباشرة بعد توقيع اتفاق الدوحة.

اتفاق السلام

بعد مضي نحو 18 عامًا منذ بدء الحرب، وصلت الأوضاع في أفغانستان إلى حالةٍ من الجمود الاستراتيجي، إذ باتت الحكومة الأفغانية، رغم الدعم الكبير الذي تتلقاه من حلف الناتو، عاجزةً عن احتواء صعود حركة طالبان التي باتت تسيطر على ما يقدر بنحو 40 في المئة من مساحة البلاد [1]. لكن، مع حلول عام 2019، بدا أنّ الفرصة مواتية لإحلال السلام في أفغانستان، بسبب عددٍ من المتغيرات الداخلية والإقليمية والخارجية، إضافة إلى قناعة مختلف الأطراف بأنّ حسم الصراع غير ممكن عسكريًا.

وبناء عليه، انطلق في الدوحة، بوساطة قطرية، مسار التفاوض المباشر بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، في غياب أي تمثيل للحكومة الأفغانية، ليتم التوصل إلى توقيع اتفاق مبادئ بتاريخ 29 شباط/ فبراير 2020، يمهّد لانسحاب القوات الأميركية وقوات الناتو من أرجاء البلاد كافة، مقابل ضماناتٍ أمنية من جانب طالبان بألّا تسمح باستخدام الأراضي الأفغانية لتهديد المصالح الوطنية للولايات المتحدة وحلفائها[2]. كان يفترضُ أن يُتبع اتفاق السلام هذا بحوارٍ أفغاني - أفغاني لتحقيق المصالحة الداخلية، ومن ثم تعزيز عملية السلام والاتفاق على جوانبها التفصيلية. وقد بدت الآمال كبيرة رغم صعوبات التنفيذ.

جائحة كورونا وأزمة الانتخابات: الخروج عن المسار

خرجت الأمور بعد ذلك عن مسارها، إثر ظهور أزمتين قد تهددان عملية السلام الأفغانية بشكل جدي؛ فمن ناحيةٍ ظهرت جائحة كورونا فاعلًا إضافيًا مؤثّرًا، ومن ناحية أخرى برز النزاع حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأفغانية.

سجلت أفغانستان، حتى يوم 23 نيسان/ أبريل 2020، 1226 إصابة بفيروس كورونا المستجد، و40 حالة وفاة. وتُعدّ هذه الأرقام منخفضة مقارنة بدولٍ كثيرة أخرى، لكنّ ذلك يعود إلى قدرة الاختبار المنخفضة جدًا (نحو 6400 اختبار فقط، أي 165 اختبارًا/ مليون مواطن)[3]. ويتوقع مسؤولو الصحة أنّ نطاق تفشّي الفيروس في البلاد أوسع من ذلك بكثير، وقد حذرت وزارة الصحة الأفغانية من أن الوضع الحالي قد يتحول إلى كارثة، في ظل عجز النظام الصحي الأفغاني عن التعامل مع هذه الجائحة مع ضعف إمكانياته وقدراته[4]، لا سيما مع وجود مشاكل متراكمة في البيئة الصحية، حيث يعيش كثيرٌ من الأفغان في أماكن مزدحمة ومشتركة، على نحو يجعل العزل الذاتي والتباعد الاجتماعي والنظافة والتعقيم مسائل يصعب تحقيقها. علاوةً على ذلك، عمدت إيران، حيث ينتشر الوباء على نطاق واسع، إلى إعادة آلاف العمال الأفغان قسرًا إلى بلادهم، عبر وسائل نقل جماعية مخالفة قواعد منظمة الصحة العالمية، إضافة إلى عودة عشرات الآلاف منهم عقب فقدان أعمالهم. وتقدّر أعداد العائدين، خلال آذار/ مارس فقط، بأكثر من 150 ألفًا[5]، ويتوقع أن يساهم ذلك في تسريع تفشي الوباء. واستمر هذا الوضع، على الرغم من مناشدات الحكومة الأفغانية طهران لإغلاق الحدود. فوق ذلك، يرجح أن اتفاق 29 شباط/ فبراير بين الولايات المتحدة وحركة طالبان قد شجع، على الأرجح، بعض اللاجئين الأفغان على العودة، خاصة مع تصاعد الأزمة الاقتصادية الحادة في إيران، بسبب العقوبات الأميركية. وتواتر الحديث عن عودة ما يقارب 8 آلاف إلى 15 ألف أفغاني من فيلق فاطميون الأفغاني من سورية، على نحو قد يؤدي إلى زيادة الإصابات بالفيروس، حيث يتفشى الوباء في عددٍ من المناطق السورية[6].

ومع فرض الحكومة الأفغانية حظر التجول، يتسع التأثير السلبي لجائحة كورونا، ليهدد الحياة الاقتصادية لنصف السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، بينما يزيد الوضع الأمني القائم من صعوبة مكافحة الفيروس[7]، كما يواجه القادة الأفغان تحديًا في السيطرة على الأسعار، وتقف البيروقراطية المتجذرة في النظام حجر عثرة أمام قدرة الإدارات المحلية للمقاطعات على إنفاق الأموال التي تتلقاها لمواجهة الطوارئ[8].

ومثل بقية دول العالم، لم يقتصر تأثير الجائحة على فئة دون أخرى، ففي أفغانستان اخترقت أسوار القصر الرئاسي، لتصيبَ عشراتٍ من موظفي القصر، ويضطر الرئيس أشرف غني إلى عزل نفسه. ونتيجة لما سبق، إضافة إلى أزمة الانتخابات الرئاسية، حيث يستمر الرئيس في نزاعه مع زعيم المعارضة عبد الله عبد الله حول نتيجة الانتخابات التي جرت في أيلول/ سبتمبر 2019، تعاني الحكومة الأفغانية وضعًا هشًا، خاصة مع بدء الاستعدادات لانطلاق جولات التفاوض مع طالبان[9]، الأمر الذي يهدّد عملية السلام برمتها. ومع استمرار الجدل بشأن الرئاسة الأفغانية، أصدر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في 21 آذار/ مارس 2020، بيانًا أعرب فيه عن خيبة أمل الولايات المتحدة من فشل القيادة الأفغانية في التوصل إلى اتفاق، مشيرًا إلى أنّ هذا "سيشكل تهديدًا مباشرًا للمصالح الوطنية الأميركية". وأعلن بومبيو عن خفض حجم المساعدات الأميركية لأفغانستان بمقدار مليار دولار هذا العام، وهدد بخفض مليار دولار أخرى في عام 2021. وقد هدفَ هذا التحرك إلى الضغط على غني وعبد الله لوضع خلافاتهما جانبًا، وتشكيل حكومة وحدة. وفي سياقٍ اقتصادي متدهور في الولايات المتحدة، لا يبدو تهديد خفض الإنفاق بعيدًا عن التنفيذ، وهو ما سيؤثر في أفغانستان جديًا بالنظر إلى كونها رابع أكبر دولة تعتمد على المساعدات الخارجية في العالم[10]. وبشكل عام، فإن استمرار النزاع الداخلي الأفغاني، قد يدفع المانحين الدوليين لوقف تدفّق مساعداتهم، خاصة مع الركود الاقتصادي العالمي الذي فرضته جائحة كورونا.

فشل تبادل السجناء والعودة إلى العنف

بعدما شهد الأسبوع الأخير من آذار/ مارس 2020 تقدمًا في تنفيذ بنود اتفاق السلام، خاصة تلك المتعلقة بالإفراج عن السجناء، حيث أفرج الطرفان عن دفعة أولى من أسرى الطرف الآخر[11]، ضاعفت التوترات بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان وأزمة كورونا والنزاع على نتائج الانتخابات الرئاسية الصعوبات التي تواجه عملية السلام في أفغانستان؛ ففي مطلع نيسان/ أبريل أعلنت طالبان عبر المتحدث باسم مكتبها السياسي في قطر، قرارها تعليق المفاوضات مع الحكومة بشأن تبادل السجناء، والتي كانت قد عقدت برعاية قطرية في كابل، وكان من المقرر وفقًا لها إطلاق سراح 6000 سجين (خمسة آلاف أسير لطالبان، وألف أسير للحكومة)، حيث وصفها بأنها "غير مثمرة". وبما أنّ تبادل السجناء يعدُّ بندًا رئيسًا في المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة وخطوة مهمة لبناء الثقة بين الحكومة وطالبان تمهيدًا للمفاوضات المشتركة، فإن تعليقه يمثل تهديدًا حقيقيًا لعملية السلام، ومن ثم، قد يؤدي إلى تصعيد العنف من جديد. وكانت الحكومة الأفغانية قالت إنها ستستمر في تنفيذ خطة إطلاق سراح السجناء بشكل أحادي، وأن المشكلة تتمثل في أن طالبان تطالب بإطلاق سراح قيادات كبرى متورطة في مجموعة من أشد الهجمات عنفًا[12]. وقد ردّت الحركة من جانبها بأنّ تنفيذ الحكومة للخطة لا يتم بصورة متوافقة مع اتفاقية السلام التي تم توقيعها نهاية شباط/ فبراير؛ إذ وعد الطرف الأميركي بالإفراج عن أسرى طالبان قبل بدء المفاوضات الأفغانية - الأفغانية[13]. وتتلخص اعتراضات الحركة في آلية اختيار المفرج عنهم، متهمةً الحكومة الأفغانية بأن بعض الأفراد الذين تنوي إطلاق سراحهم ليسوا من أفراد الحركة، وإنما من "أصحاب الجنح وكبار السن"، وأنّ الإفراج عنهم يأتي ضمن الإجراءات الاحترازية من تفشي فيروس كورونا المستجد[14]. ويتعلق الاعتراض الثاني لطالبان بالحد الأدنى للعدد اليومي الذي ينبغي الإفراج عنه، إذ ترفض الحكومة مطالبة الحركة بالإفراج عن 500 سجين يوميًا على الأقل[15]. ويعدّ التزام الحكومة الأفغانية ببنود المفاوضات واتفاق السلام الموقّع في الدوحة، رغم عدم مشاركتها فيها، ورغم تحفظاتها في حينها على بند إطلاق السجناء، ضروريًا لإنجاح اتفاق السلام. وكان الرئيس الأفغاني ووزير الدفاع الأميركي مارك إسبر، توصلا إلى "الإعلان المشترك بين جمهورية أفغانستان الإسلامية والولايات المتحدة الأميركية لإحلال السلام في أفغانستان" بالتزامن مع توقيع اتفاق الدوحة، الذي أكّد "من حيث المبدأ" بنود الاتفاق مع طالبان، إضافةً إلى التزام الولايات المتحدة بدعم قدرات قوات الأمن والمؤسسات الحكومية الأفغانية وتعزيزها[16].

وعلى صعيدٍ آخر، فقد كان مقررًا للمفاوضات الأفغانية - الأفغانية أن تنطلق في 10 آذار/ مارس 2020، وعلى أجندتها مناقشة موعد الوقف الشامل والدائم لإطلاق النار وآليات تنفيذه، وفقًا للبند الرابع من اتفاق الدوحة[17]، الذي تم توقيعه إثرَ وقفٍ جزئي لإطلاق النار خلال فترة "تخفيض العنف" مدة سبعة أيام[18]، إلا أنه ومع تعطّل المفاوضات، اتهمت طالبان، مطلع نيسان/ أبريل 2020، الحكومة الأفغانية بالتصعيد عسكريًا ضدها رغم وقف الحركة عملياتها، وفق تصريحها. واتهمت الحركة القوات الأميركية بانتهاك الاتفاق عبر استدعاء الدعم الجوي الأميركي لمساندة قوات الحكومة الأفغانية في مهاجمة مسلحي طالبان[19].

ومع تصاعد التوترات، اتهمت الحكومة الأفغانية أيضًا عناصر من طالبان بشنّ عددٍ من الهجمات في أنحاء البلاد، ومنها مهاجمة مركز للجيش في إقليم تخار عشية 19 نيسان/ أبريل 2020، مخلّفةً 19 قتيلًا من قوى الأمن، وتنفيذ مسلحي طالبان مجموعة هجمات أخرى بإقليم فارياب ضد عدة مراكز أمنية، أدت إلى مقتل عديدين وإصابتهم. ولم تردّ حركة طالبان على تلك الاتهامات، غير أنها وجهت اتهامًا للقوات الحكومية والقوات الأميركية بقصف مناطق سكنية في إقليم بغلان شمال أفغانستان[20]. تلا ذلك موجات عدة للتصعيد من الجانبين، أدت إلى مقتل عدد من عناصر الأمن ومسلحي طالبان[21]. ومن المتوقع أن تتسبب عودة فيلق فاطميون الأفغاني الشيعي من القتال في سورية بعد تفشي الفيروس هناك، في أحداث عنفٍ وصداماتٍ دموية، خاصة مع وجود انقسامات طائفية بين القوى الأمنية والعسكرية في كابل؛ إذ تتردد المخاوف بأنّ هذا قد يدفع القوى السنية ذات العرقية البشتونية مثل طالبان، إلى الانشقاق عن الحكومة لصالح الحركة التي تتمتع بقاعدة شعبية وقبلية أشد تماسكًا من تركيبة الحكومة الأفغانية[22].

مصير عملية السلام

بعد تردد الحكومة الأفغانية في إطلاق سراح سجناء طالبان، وتعثّر انطلاق المفاوضات الأفغانية - الأفغانية، ظهر وباء كورونا فاعلًا مؤثّرًا جديدًا وغير متوقع مسبقًا على خط الصراع[23]. في الأثناء، تصاعد القتال بين الجانبين، حتى في المناطق التي تواجه خطر الوباء[24]. وازداد المشهد تعقيدًا مع ظهور النزاع حول نتائج الانتخابات الرئاسية. وزادت هذه العوامل من المخاوف من انهيار عملية السلام.

فالفيروس يزداد انتشارًا يومًا بعد يوم في مختلف أنحاء البلاد ومؤسساتها، وثمة مخاوف من انتشاره بين السجناء لدى الجانبين. وإذا تسبب الفيروس في وفاة سجناء في الحجز، فقد يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر والاحتقان، وقد يقوّض عملية السلام، وقد يؤدي إلى وقف الجهود الأميركية لإنهاء الحرب في أفغانستان، رغم الزيارة التي قام بها المبعوث الأميركي الخاص زلماي خليل زاد ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إلى الدوحة وكابل في 23 آذار/ مارس، في حين أوقفت الجائحة العالمية مبعوثين آخرين عن مواصلة مهماتهما، رغم إصرار الرئيس ترامب على حماية الصفقة من الانهيار. ويحرص زلماي خليل زاد على إنجاز صفقة تبادل السجناء وكبح جناح العنف قبل اقتراب ما يسمى بموسم القتال الربيعي، وهو هجوم تقليدي تشنّه طالبان في فصل الربيع؛ لأنّه إذا ما حدث هذا العام، فإنه يهدد فرصة احتواء الوباء بصورة كبيرة، علاوة على أنّه قد يؤدي إلى انهيار عملية السلام. وفي حين يرى غالبية المراقبين أنّ انتشار الوباء يعقّد مسار الحل السياسي للنزاع الأفغاني، فإن آخرين يرون أن الفيروس قد يتيح مخرجًا للحكومة؛ إذ في إمكانها أن تستند إلى "أسباب إنسانية" في إفراجها عن عناصر طالبان المحتجزين لديها، بحيث لا يبدو الرئيس كأنه استسلم لمطالب الحركة، في الوقت الذي تتجنب فيه الحكومة تبعات تعرّض السجناء للموت بسبب الفيروس[25].

ومع استمرار المخاوف المتعلقة بتأثير جائحة فيروس كورونا المستجد في عملية السلام، فإن تفشي الفيروس في البلاد قد يدفع الأميركيين وحلف الناتو إلى سحب قواتهم مبكرًا، أي قبل الموعد المحدد في اتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة وطالبان، خاصة مع ثبوت إصابة أربعة من عناصر قوات الناتو بالفيروس بعد قدومهم إلى أفغانستان[26]. ويمكن أن يؤدي التقليص السريع للوجود العسكري الأجنبي في أفغانستان إلى فراغ أمني كبير، على نحو يشجع طالبان على تجاهل الاتفاق وتصعيد حملتها العسكرية مرة أخرى. ومن المحتمل أيضًا أن يستغل تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان الظروف ليشنّ مزيدًا من الهجمات بعد أن فرض مقاتلو التنظيم في 25 آذار/ مارس 2020 حصارًا على مجمع ديني للسيخ في كابل، أسفر عن مقتل 25 شخصًا[27]. وجدير بالذكر أنّ انسحاب القوات الأميركية وقوات الناتو سيعني خفض تمويل القوات الأفغانية أو وقفه؛ أي إضعاف قدرتها على مواجهة هجمات طالبان، علمًا أن استمرار التمويل متوقف على التوصل إلى اتفاق نهائي بين عبد الله وغني في خلافهما حول نتائج الانتخابات الرئاسية[28].

لقد وضعت طالبان رهاناتها على حاجة الرئيس الأميركي ترامب الملحّة إلى نصر دبلوماسي في عام الانتخابات. لكن وفي سياق الجائحة الحالية، وإذا أخلّت الحركة بشروط الاتفاق التي أكدت واشنطن على أن الإخلال بها يعني وقف الاتفاق بالكامل[29]، فقد يلجأ ترامب إلى سحب المساعدات المالية الأميركية ليستفيد منها في تعزيز صورته داخل بلاده، ثم يقوم بسحب جميع القوات الأميركية بموجب قانون الطوارئ. وربما ترى طالبان في هذا انتصارًا، لكنه انتصار باهظ الثمن؛ إذ لن يمهد الفراغ الأمني الطريق لإعادة إنشاء إمارة أفغانستان الإسلامية، وستغرق البلاد في صراع دموي طويل.

لذلك، وبدلًا من استغلال الجمود في كابل للتقدم عسكريًا، قد يكون من الأفضل لطالبان أن تحافظ على الحد من العنف وتساعد في إنشاء جبهة موحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وضمان مستوى من الاستقرار في أفغانستان، حتى تتاح للبلاد فرصة أفضل في مكافحة تفشي فيروس كورونا واحتوائه[30]. ومن ثم، تثبت الحركة أن في إمكانها أن تتصرف كشريك مسؤول جدير بتقاسم السلطة في أفغانستان في المرحلة المقبلة. لقد اتخذت طالبان خطوات مبدئية في الاتجاه الصحيح على هذا الصعيد؛ إذ أعادت علاقاتها مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وأتاحت الضمانات الأمنية لأفرادها.

على صعيدٍ آخر، قد يؤثر تفشي الفيروس أيضًا في جهود الوسطاء الأجانب لدفع محادثات السلام بين الأفغان. فمن المرجح ألّا يكون عقد المفاوضات وجهًا لوجه ممكنًا، مما يعقّد فرص التوصل إلى حل. وفي حين أن فاعلية المحادثات بين الأفغان مرتبطة بمدى شمولها الجميع، على كل مستويات المجتمع الأفغاني، فإنّ عملية السلام، إذا أمكن استئنافها حاليًا، قد تقتصر على مفاوضات ضيقة للغاية بين فريق التفاوض الأفغاني وطالبان، وهذا يعني غياب مجموعة من أصحاب المصلحة ممن لا بد أن يوافقوا على مجريات العملية ونتائجها، لضمان إمكانية تنفيذها. ومع هذا، فثمة أسباب للتفاؤل الحذر، إذ تستمر المفاوضات الأفغانية، بصورةٍ ما؛ ففي 22 آذار/ مارس سهلت قطر والولايات المتحدة إجراء محادثات فنية تتناول إطلاق سراح السجناء بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان عبر سكايب[31]، وتقوم الحكومة الأفغانية حاليًا بالتواصل رقميًا بعد تفشي الفيروس بين موظفي القصر الرئاسي. [32] وهذا يدل على أن الوباء لم يوقف النشاط الدبلوماسي تمامًا. ويبدو، أيضًا، أنّ النشاط الدبلوماسي التقليدي عبر اللقاءات المباشرة لن يتوقف بشكل كامل رغم حالة الحظر العالمية، نظرًا إلى الضرورة وخطورة الأوضاع. 

خاتمة

أضافت جائحة فيروس كورونا المستجد مزيدًا من التعقيد إلى المشهد المعقّد أصلًا لعملية السلام الأفغانية. ففضلًا عن آثارها الصحية والاقتصادية المدمرة، والتي من شأنها إضعاف قدرة الحكومة وتقويض شرعيتها، فإن من المرجح أن تشمل آثارها مختلفَ أوجه مفاوضات السلام، لتضفي عليها مزيدًا من الخطورة؛ فمن الخلافات حول إجراءات إطلاق سراح الأسرى، إلى الهجمات المتصاعدة من الجانبين، إلى اقتراب موسم هجمات الربيع، إلى هشاشة النظام الحكومي في ظل النزاع على منصب الرئاسة، وما يهدده من سحبٍ للمساعدات الأميركية التي تمثل عصبًا رئيسًا للموازنة الحكومية، بخلاف الآثار المحتملة إذا ما تم انسحاب مبكر للقوات الأميركية وقوات الناتو.

لقد سبق أن حصل توافق على حل النزاع من خلال الحوار الأفغاني - الأفغاني، وتم الإقرار بعدم إمكانية حسمه عن طريق القوة. كما أن ثمة توافقًا على أهمية المفاوضات بين أميركا وطالبان، حيث دعمتها كل الأطراف. ولعل من المهم في هذه المرحلة الحفاظ على ما تم إنجازه حتى الآن، وجعل ظهور الفيروس دافعًا لوقف العنف ومساهمًا في ابتكار أشكال أخرى من التعاون بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان عبر العمل سوية على مكافحته، على نحو يساعد في إعادة بناء الثقة، بدلًا من الاستسلام لآثاره المقوِّضة لعملية السلام. وكي يتحقق هذا، يجب أن يسلّم جميع الأطراف بحقيقة أنّ الفيروس سينتشر في أنحاء أفغانستان، وسوف يصيب الجميع، بغض النظر عن عقائدهم وولاءاتهم السياسية والعرقية.


[1] وحدة الدراسات السياسية، "اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان: المضمون، والسياقات، والتحديات"، تقدير موقف، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 5/3/2020، شوهد في 29/4/2020، في: https://bit.ly/2VlNBdJ

[2] المرجع نفسه.

[3] Covid-19 Coronavirus Pandemic, Worldometer, accessed on 29/4/2020, at: https://bit.ly/2Sj5fN6

 [4]"مصادر حكومية: إصابة 20 على الأقل من موظفي قصر الرئاسة في أفغانستان بكورونا"، رويترز، 18/4/2020، شوهد في 29/4/2020، في:https://bit.ly/2VLspOj

[5] "هل ستؤدي إعادة إيران للعمال الأفغان لتفشي كورونا؟"، DW، 19/4/2020، شوهد في 29/4/2020، في: 

https://bit.ly/2KFOMi5

[6] أحمد موفق زيدان، "أفغانستان ما بعد الاتفاق الطالباني – الأميركي (1-2)"، العرب، 8/4/2020، شوهد في 29/4/2020، في: 

https://bit.ly/2SlWpyq

[7] "هل ستؤدي إعادة إيران للعمال الأفغان لتفشي كورونا؟".

[8] Mujib Mashal & Fahim Abed, “Dozens Test Positive for Coronavirus at Afghan President’s Palace,” The New York Times, 19/4/2020, accessed on 29/4/2020, at: https://nyti.ms/35fHlr5

[9] Ibid.

[10] Barnett Rubin, “An Ailing America Must Not Abandon Afghanistan,” Foreign Policy, 26/3/2020, accessed on 29/4/2020, at: https://bit.ly/2wS9Dv5

[11] "سلام أفغانستان"، الشرق، شوهد في 29/4/2020، في: https://bit.ly/3aK7vn3

[12] "أفغانستان: طالبان توقف المباحثات مع الحكومة لتبادل السجناء"، فرانس 24، 7/4/2020، شوهد في 29/4/2020، في:

https://bit.ly/3eUTG8C

[13] صبغة الله صابر، "أفغانستان تطلق سراح 100 سجين آخرين من ’طالبان‘: الحركة غير راضية"، العربي الجديد، 9/4/2020، شوهد في 29/4/2020، في: https://bit.ly/2W8dkp7

[14] زيدان.

[15] صابر.

[16] "اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان: المضمون، والسياقات، والتحديات".

[17] المرجع نفسه.

[18] David E. Sanger & Richard Pérez-Peña, “U.S. and Taliban Agree to Reduce Violence, in First Step To Peace Deal,” The New York Times, 14/2/2020, accessed on 29/4/2020, at: https://nyti.ms/3aRC6yZ

[19] Thomas Gibbons-Neff & Julian E. Barnes, “To Save Afghan Peace Deal, U.S. May Scale Back C.I.A. Presence,” The New York Times, 17/4/2020, accessed on 29/4/2020, at: https://nyti.ms/2SfAE2X

[20] "أفغانستان: موجة تصعيد جديدة و’طالبان‘ تتهم القوات الأميركية بخرق التوافق"، العربي الجديد، 20/4/2020، شوهد في 29/4/2020، في: https://bit.ly/35dcWKc

[21] "مقتل العشرات بهجمات لطالبان في أفغانستان"، فرانس 24، 20/4/2020، شوهد في 29/4/2020، في: 

https://bit.ly/3aIkmWN

[22] زيدان.

[23] Rubin.

[24] Sayed Sharif Amiri, “Taliban Violence Remains High Amid Peace Efforts,” Tolonews, 29/3/2020, accessed on 29/4/2020, at: https://bit.ly/2KKau4r

[25] “Afghan prisoner exchanges, U.S. peace plan threatened by coronavirus,” Reuters, 21/4/2020, accessed on 29/4/2020, at: https://reut.rs/2VL1ulU

[26] “Four NATO service members arriving in Afghanistan test positive for coronavirus,” Reuters, 24/3/2020, accessed on 29/4/2020, at: https://reut.rs/2Wbs5Yo

[27] “Kabul Sikh temple siege: Dozens killed in attack claimed by ISIL,” Aljazeera, 25/3/2020, accessed on 29/4/2020, at:

https://bit.ly/3f4GYnO

[28] Rubin.

[29] "اتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان: المضمون، والسياقات، والتحديات".

[30] Sultan Barakat & Barnett Rubin, “Start the Negotiations, End the Afghan War Now,” War On Rocks, 31/3/2020, accessed on 29/4/2020, at: https://bit.ly/3bJSa7n

[31] Abdul Qadir Sediqi, “Taliban-Afghan government Skype call breathes life into peace process,” Reuters, 22/3/2020, accessed on 29/4/2020, at: https://reut.rs/3bNVHBv

[32] "مصادر حكومية: إصابة 20 على الأقل من موظفي قصر الرئاسة في أفغانستان بكورونا".