العنوان هنا
تقارير 04 يونيو ، 2017

تقرير مؤتمر خمسون عامًا على حرب حزيران/ يونيو 1967: مسارات الحرب وتداعياتها

يغطي التقرير أعمال المؤتمر الذي عقده المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تحت عنوان: "خمسون عامًا على حرب حزيران/ يونيو 1967: مسارات الحرب وتداعياتها"، خلال الفترة 20-22 أيار/ مايو 2017، والذي جاء بمشاركة عددٍ من الباحثين والمختصين في موضوع الصراع العربي - الإسرائيلي. وفي المحاضرة الافتتاحية للمؤتمر، أشار الدكتور عزمي بشارة، المدير العامّ للمركز، إلى أنه طوال نصف قرن لم يَجرِ التطرّق - على نحوٍ علمي - إلى أكبر إخفاق عسكري عرفه العرب في تاريخهم الحديث، ولم يَجرِ التطرق إلى هزيمة 1967 من منظور العلوم السياسية والعلوم العسكرية، وبأدواتها. في حين صدرت مئات الدراسات في إسرائيل والغرب في تحليل الحرب وأسبابها ونتائجها وتوثيقها، وفي تحليل كل معركة من معاركها، فضلًا عن كُتب السِّير الكثيرة التي كتبها القادة، ووزراء الخارجية، ووزراء الدفاع، وحتى الضباط. وفي المقابل، ثمّة ندرةٌ في الأدبيات البحثية العربية بشأن هذه الحرب.

حرب حزيران:/يونيو 1967: إعادة قراءة بعد خمسين عامًا

خمسون عامًا مرّت على حرب حزيران/ يونيو 1967 التي احتلت فيها إسرائيل في ستة أيامٍ (منذ أن بدأ القتال حتى وقف إطلاق النار)، أراضيَ تبلغ ثلاثةَ أضعافِ مساحتِها، بما في ذلك ما تبقّى من أرض فلسطين التاريخيّة، أي الضفة الغربية وقطاع غزّة اللتين وقعتَا تحت الحكم الأردني-المصري بعد اتفاقيات الهدنة عام 1949. إثْر تلك الحرب، اتخذ تاريخ المشرق العربي والمنطقة وفلسطين والنظام الصهيوني مسارًا مختلفًا أطلقته نتائج حرب حزيران/ يونيو 1970. ولهذا يمكن الحديث عمّا قبل حرب 1967 وما بعدها، كما يمكن القول إن تاريخ حرب حزيران/ يونيو 1967، وليس حرب أيار/ مايو 1948، هو تاريخ نشوء إسرائيل الحقيقي (أو تثبيته على الأقل). وبهذا المعنى، كانت الحرب تدبيرًا إسرائيليًا خُطِّط له منذ إعلان إسرائيل، فقد كان رأي بن غوريون أنّ حرب عام 1948 لم تَحسم المسألة، وأنّه لكي تتقبل الدول العربية وجود إسرائيل في المنطقة لا بدّ من إرغامها على ذلك، بإلحاق هزيمة أخرى بها في حربٍ أخرى تُقنعها بقبول الأمر الواقع.

مثلت هزيمة حزيران/ يونيو نقطة مفصليّة في تاريخ العرب الحديث المعاصر، وما تزال الدول والشعوب العربية تعيش تداعياتها حتى الآن، على الرغم من سعي الأنظمة العربيّة في تمويه الهزيمة، أولًا، عبر تلطيف اللفظ نفسه، أيْ تحويله إلى "نكسة". وثانيًا، بتجاوز ذلك في محاولة قلب الهزيمة انتصارًا لأنّ إسرائيل لم تنجح في إطاحة ما سُمي "الأنظمة التقدمية". وبكلمات أخرى، أصبح مبدأ "الأرض مقابل الاعتراف"، الذي رفعته إسرائيل بعد حرب حزيران/ يونيو، شعارًا عربيًا في العقود الأخيرة بعد أن عُدِّل إلى "الأرض مقابل السلام"، ليشير إلى المعنى ذاته لكن بلغة مختلفة. وتكمن المفارقة التاريخية الكبرى في أنه حينما هُزِمت الأنظمة العربية التي تبنت القوميةَ العربيةَ أيديولوجيةً رسميةً في الحرب مع إسرائيل، انحسرت معها هذه الأيديولوجية تحديدًا. أضف إلى ذلك، أن الهزيمة فتحت، على المستوى الثقافي، بابًا لنقد التخلف والبحث عن أسبابه في الجهل وانتشار الأمية، وفي التبعية الاقتصادية، وفي الدولة السلطانية، وفي الدين والتدين، وصولًا إلى سيكولوجيا الإنسان العربي وعقليته. وقد وصل النقد حدَّ إعجاب عديد المثقفين العرب بإسرائيل. وإلى جانب أدبيات الصدمة الحضاريّة، انتشرت أدبيات يسارية، وأخرى أيديولوجية علمانيّة أو دينيّة يحاسب كلٌ منها الأنظمةَ من منطلقه، ويرى في عدم تطبيق أيديولوجيته وخطه الفكري سببًا رئيسًا في الهزيمة. أمّا دعاة الديمقراطيّة، فلم يترددوا في الجزم بأنّه لو كانت الأنظمة العربيّة ديمقراطيّةً، ولو كان الشعب يشارك في صنع القرار، لما وقعت الكارثة، وهذا غير دقيق علميًا. فالتاريخ يحدثنا عن انتصارات لدول ديكتاتورية وأيديولوجيات شمولية عدة؛ ألمانيا النازية، وروسيا الاجتماعية، وحزب الله في جنوب لبنان.

أيًا يكن، وعلى الرغم من مرور خمسين عامًا على حدوثها، لم يَجرِ التطرّق -على نحوٍ علمي- إلى أكبر إخفاق عسكري عرفه العرب في تاريخهم الحديث من منظور العلوم السياسيّة والعلوم العسكرية، وبأدواتها. هذا في وقتٍ صدرت فيها مئات الدراسات في إسرائيل والغرب؛ الأمر الذي يفرض إعادة تناول هذه الحرب، ولا سيما أن الدعاية الإسرائيلية الرسمية التي شيدت ركائزها على خطاب الضحية وما يتعلق به لجهة توظيف الهولوكوست كمكوِّن أساسٍ في السياسة والثقافة انطلقت بعد عام 1967.


الجبهة المصرية: مقدمات الهزيمة وأسبابها

يفتقد الباحثون عمومًا أية وثائق مصريّة أو عربيّة يمكن أن تساعد في توضيح أسباب الهزيمة على الرغم من رفع السرية عن آلاف من الوثائق الإسرائيلية والأميركية المتعلقة بالحرب؛ الأمر الذي يقف حائلًا دون إعادة كتابة تاريخ هذه الحرب، والتي ما تزال تحصر في سرديات شكلية تتجنب الغوص في أسبابها العميقة، وتصل في بعض الأحيان حد تزييف التاريخ مخافة الاقتراب من صورة زعماء وقادة، عاشوا الحرب وعايشوا تفاصيلها اليومية، ولا شك في أنهم يتحملون جانبًا من المسؤولية عن الهزيمة.

في ضوء ذلك، فان استجلاء حقيقة الهزيمة على الجبهة المصرية في ظل غياب الوثائق المرجعية، يدفع الباحثين عادة إلى استقراء مقدماتها لجهة خلافات الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر مع بعض الدول العربية مثل سورية ومصر، وتدخله العسكريّ المباشر في اليمن، إضافة إلى الحرب العربية الباردة مع المملكة العربيّة السعودية التي استنزفت مقدرات وجهدًا كان يجب استثمارها في الجاهزية القتالية مع إسرائيل. كما ساهمت الصراعات السياسية بين أجنحة النظام السياسي في مصر، وانصراف قادة الجيش عن مهماتهم الأساسية في حماية الحدود وتغولهم في جوانب الحياة المدنية في تهيئة الأرضية العسكريّة للهزيمة.

ضمن هذا السياق، تشير المذكرات الشخصية للعديد من القادة العسكريين المصريين إلى النقص الحاد في الجاهزية القتالية للقوات المسلحة المصرية على مستوى العدة والعتاد، والتدريب والمهنية، وكذلك الحال بالنسبة إلى الخطط الدفاعية والهجوميّة، إذ أشارت عدة تقارير عسكريّة صادرة عن وزارة الدفاع الأميركية عشية الحرب إلى رجحان الكفة لمصلحة إسرائيل في حالتي الهجوم والدفاع. وبتفاصيل أكثر، تكسب إسرائيل الحرب في سبعة أيام إن كانت المبادرة في الهجوم، وفي 14 يومًا إن جاء الهجوم من الطرف العربيّ.

وإذا ما تجاوزنا التقارير الأميركية وتوقعاتها لمسار الحرب ومصيرها، فإنه من الصعب بمكان حصر أسباب الهزيمة بالمقدرات العسكريّة فقط، نظرًا إلى امتلاك الجيش المصري عشية الحرب قدرات عسكرية جيدة على مستوى عدد الجنود، والدبابات، والطائرات، تضمن له أداءً قتاليًا أفضل، قد لا يحقق النصر، لكنه لا يؤدي إلى هزيمة على هذا النحو. وضمن هذا الإطار، تُعَد ُّعوامل أخرى مثل سوء الحسابات والتقدير، إضافة إلى المعلومات الخاطئة، أسبابًا جوهريّة في تفسير الهزيمة. وقد توافر اقتناع لدى القيادة السياسة المصرية ممثلة بالرئيس جمال عبد الناصر آنذاك مفاده؛ أن مصر تستطيع استيعاب الضربة العسكريّة الأولى والقيام بهجوم مضاد، وأن اندفاع مصر للمبادرة في الهجوم العسكري قد يضعها في مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة ومن دون غطاء سوفياتي. وبخلاف عبد الناصر، كانت تقديرات العسكريين، وخاصة قادة القوات الجوية تشير إلى أن الجيش المصري لا يستطيع تحمل الضربة الأولى. وفي رأيهم، أن الهجوم العسكري -إن حصل- سوف يكون " كاسحًا"، وهذا ما كان بالفعل، إذ حسمت الساعات الأولى مصير المعركة في حين استغرق الجيش الإسرائيلي نحو ستة أيام لتثبيت انتصاره العسكري ميدانيًا ورسمه جغرافيًا.


الجيش السوري: اختلالات بنيوية عشية الحرب

شُلَّت القدرات الجويّة السورية شللًا شبه كامل، إذ دمر سلاح الجو الإسرائيلي في ساعات نحو 55 طائرة قتالية من أصل 75 يمتلكها الجيش السوريّ، واستهدف غالبية المطارات السوريّة. وميدانيًا، استطاعت فرق عسكريّة محدودة من الجيش السوري إيقاف التقدم الإسرائيلي على جبهة الجولان نحو أربعة أيام، وأظهرت صمودًا نوعيًا على نقاط عدة قبل أن تتحرك القوات الإسرائيلية في 10 حزيران/ يونيو 1967 من دون مقاومة تذكر، إذ ما تزال أسباب الانسحاب مجهولة حتى الآن. المفارقة أيضًا، أن البيان رقم 66 الذي أعلن سقوط القنيطرة، أذيع قبل وصول القوات الإسرائيلية إلى المدينة، وهو ما كان مفاجأة كبيرة ما تزال تفاصيلها مبهمة حتى الآن. وبناء عليه، يصعب على الباحثين إرجاع الهزيمة على الجبهة السوريّة إلى الخلل في موازين القوى العسكريّة.

والجدير بالذكر، أنه منذ توقيع اتفاقية الهدنة بين سورية وإسرائيل عام 1949 إلى عدوان حزيران/ يونيو 1967 تعرض الجيش السوري إلى دورة كبيرة من عمليات إعادة "الهيكلية السلبية" التي كانت تأخذ أشكالًا مختلفة، مثل التسريح، والإعدامات، والسجن، والنفي. وقد تركت إعادة الهيكلة آثارها المباشرة على الجيش السوري من خلال انصراف قادته إلى الصراعات السياسيّة، والتنافس والتناحر بين الضباط؛ ما أدى إلى سيطرة حالة الشك والريبة في صفوفهم، ونجم عن ذلك نزوع لدى القادة لتعيين الضباط الجدد بحسب الولاء وليس الكفاءة، مع تسريح آلاف الضباط (تشير الأرقام إلى نحو 1300 ضابط) ولا سيما بعد انقلاب 8 آذار/ مارس 1963، وحركة 23 شباط/ فبراير 1966. في ضوء ذلك، لم يتجاوز عدد الجيش السوري بضباطه ومجنديه 10 آلاف شخص، فضلًا عن المشكلات البنيوية الأخرى المتعلقة بضعف الكفاءة القتالية، والتدريب، وفاعلية الأسلحة مقارنة بالجيش الإسرائيلي؛ الأمر الذي أدّى إلى انهيار الجيش السوريّ سريعًا.

في الحصيلة، احتلت إسرائيل الجولان السوريّ، وأضحت بعد احتلال جبل الشيخ تهدد العاصمة دمشق بعد أن كان الجيش السوريّ يهددها، ولا سيما في منطقة الجليل. وقد أوضحت الهزيمة أن الجيوش العربية جميعها لم تكن جاهزة للحرب.


الحرب على الجبهة الأردنية والمشاركة العراقية

برزت وجهات نظر متباينة حول مشاركة الأردن في حرب حزيران/ يونيو 1967، منطلقة من تساؤل مركزي مفادُه: هل كانت الحرب حتمية على الجبهة الأردنية؟ لقد كان للملك حسين نظريته ورؤيته الخاصة، فقد كان يرى أنّه إذا ارتكن إلى عدم دخول الحرب، واستطاعت مصر وسورية تحقيق حد أدنى من الانتصار أمام الكيان الإسرائيلي، فإنَّ هذا سيؤول بالأردن إلى أن تكون موضع تهكم ونقد لاذع عليه؛ الشيء الذي يُضعف شرعيته في الحُكم. ولو هُزمتْ مصر وسورية أمام إسرائيل، وهذا ما كان متوقعًا، وهو ما حصل، فسيقوم كل الوطن العربي على الأردن ويجعل منه كبش فداء للهزيمة، وفي الحالتين يكون الأردن أمام تهديد الجماهير وغضبهم. لذا كان الأردن أمام مفترق طرق حول المشاركة في الحرب التي كبدته خسارة فادحة في الأرواح والأرض.

وفي إطار اهتمام المؤتمر بمناقشة المذكرات الأردنية وعلاقتها بحرب حزيران/ يونيو 1967، جاءت دراسة تطرقت إلى الكيفية التي صورت بها تلك المذكرات أحوال الأردن الداخلية عشية الحرب، والطريقة التي انخرط بها الأردن في حرب كان يعلم نهايتها في حقيقة الأمر، عارضًا للممكنات المتاحة بغية تفادي هذه الحرب إن وجدت، وماذا لو لم يشارك في هذه الحرب، فهل كان قادرًا على تحمل تبعات عدم المشاركة في حرب فرضت على المنطقة برمتها وتحمل نتائجها؟ كما تطرقت الدراسة إلى درجة الانسجام بين القيادة العربية للقوات العربية الموحدة برئاسة عبد المنعم رياض والقادة الأردنيين، هذا إضافة إلى بسط النظرة التي تصورتها الحركات التقدمية القومية العربية حول هذه الحرب، وهل تحمل الأردن مسؤوليته في الدفاع عن أرضه؟ وما أخطاء القيادة العربية؟

كما كان دور القوات الجوية العراقية وتأثيرها في مسرح العمليات إبان حرب حزيران/ يونيو 1967 حاضرًا في النقاش والحوار. فقد تم البحث في الأسباب المباشرة، وغير المباشرة للحرب، ومنها الأسلوب الذي تم به إعداد الطيران الإسرائيلي للضربة، والخطة التي وضعت، ونوع الهجوم وكيفية تنفيذه، فضلًا عن الأسلوب الذي تم به إعداد الطيران المصري بصفة عامة والعراقي بصفة خاصة للقتال، ودور مشاركة سلاح الجو العراقي وتأثيره في مسار حرب 1967.


حرب حزيران/ يونيو 1967: البيئة الإقليمية والدولية

لا يمكن فهم مسارات حرب حزيران/ يونيو 1967 من دون دراسة البيئة الإقليمية والدولية، وخاصة دور الأمم المتحدة، حيث تشكلت قوات الطوارئ الأممية على إثر العدوان الثلاثي على مصر عام 1956. ولقد كان طلب مصر سحب قوات الطوارئ الدولية من الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة، ومن ثم إعلانها إغلاق مضيق تيران في 22 أيار/ مايو 1967 من العوامل الأساسية في نشوب الحرب. والسؤال هنا: ما دور الأمم المتحدة وقوات الطوارئ الدولية في الحرب؟ وهل كان في الإمكان تطويقها والحؤول دون نشوبها؟ بدأت قوات الطوارئ في الانسحاب تدريجيًا ما عدا الكتيبة الهندية التي علقت في اليوم الأول من الحرب، فقتل منها 19 شخصًا.

استشعر الأمين العام للأمم المتحدة وقوع الحرب، فكثف من اتصالاته مع القيادة المصرية. لكنه على الرغم من ذلك، لم يقم بالعديد من الإجراءات التي كان من الممكن القيام بها لدرء الحرب؛ إذ لم يدع إلى عقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة أو مجلس الأمن، ولم يحاول فتح قنوات اتصال جديدة مع مصر أو إسرائيل من خلال الوساطات الدولية.

لا يكتمل فهم البيئة الإقليمية والدولية من دون قراءة الموقف الأميركي من الحرب، ولعل الوثائق الأميركية الصادرة عن الخارجية الأميركية ووكالة الاستخبارات الأميركية قبل الحرب وخلالها أفضل المصادر للدراسة والتحليل. إذ تكشف الوثائق الأميركية أن الاتحاد السوفياتي أعلم مصر بأن إسرائيل تعد للحرب على سورية. وبناءً عليه، طلب الرئيس المصري جمال عبد الناصر من الأمم المتحدة سحب قوات الطوارئ الدولية، كما أغلق مضيق تيران في وجه إسرائيل. تبين هذه الوثائق أن الولايات المتحدة لم تكن تريد لهذه الحرب أن تقع، فعندما أخبرت إسرائيل الولايات المتحدة أن هناك قوات مصرية تتجه نحو الحدود الجنوبية لفلسطين المحتلة في اتجاه مدينة غزة، ردت الولايات المتحدة بأنها سوف تدعم إسرائيل إذا لم تبادر هي بالحرب. لم ترغب الولايات المتحدة في الحرب، لأنها كانت في حالة حرب في فيتنام ولا تريد أن تفتح جبهة جديدة مع السوفيات.

اتهم العرب الولايات المتحدة الأميركية بأنها شاركت في القصف الجوي الأول للمطارات المصرية من اليوم الأول من الحرب. وربما يعزى ذلك إلى أنها محاولة من الأنظمة العربية لحفظ ماء الوجه ولتبرير الهزيمة من منطلق أن الولايات المتحدة قوة عظمى.

دافعت الولايات المتحدة في مجلس الأمن عن إسرائيل، وطالبت هي بوقف سريع لإطلاق النار، وطالب الاتحاد السوفياتي بوقف فوري لإطلاق النار. وفي الاتصالات الأميركية الروسية، طالب السوفيات بأن يتم وقف إطلاق النار بالتزامن مع الانسحاب من الأراضي المحتلة إلى ما قبل خطوط الهدنة، بينما طالبت الولايات المتحدة بالوقف السريع لإطلاق النار ومن ثم تبدأ مفاوضات لاستعادة السلام. طبقًا لهذه الوثائق لا يمكن الجزم بأن هناك تدخلًا أميركيًا مباشرًا عسكريًا في قصف القوات الجوية المصرية في اليوم الأول من الحرب.

أما موقف القطب الثاني في الحرب الباردة (الاتحاد السوفياتي) فمن الصعب قراءته وفهمه على نحو دقيق انطلاقًا من الطبيعة الدكتاتورية للنظام السوفياتي. ولطالما تضاربت الأدبيات السوفياتية حول الحرب، متراوحةً بين مؤامرة غربية/إسرائيلية أو رغبة سوفياتية أو رغبة عربية، لكنها تحولت في الكثير منها إلى الانحياز لمصلحة إسرائيل بعد نهاية الحرب الباردة. ومن أجل إعادة قراءتها على نحو أفضل سيُستعان بالوثائق الدبلوماسية المسربة والمراجع الأكاديمية والشهادات الشخصية.

كان الاتحاد السوفياتي ثاني دولة تعترف بإسرائيل بعد الولايات المتحدة، وأول دولة تقيم علاقات دبلوماسية معها، إذ كان يأمل السوفيات في أن تكون إسرائيل دولة اشتراكية في وجه "الإمبريالية البريطانية". وهذا ما يعني أن السياسة الخارجية السوفياتية تجاه المنطقة العربية حُّدِّدَت بعاملين؛ أيديولوجي وجيوسياسي، وكلاهما فرضته أوضاع فترة الحرب الباردة.

نقل ضباط أمن سوفيات معلومات للقيادة السوفياتية تحذرهم من قرار إسرائيلي بالعدوان على الدول العربية. إلا أن المسؤولين الروس نفوا ذلك، واتهموهم بالوقوع في فخ الدعاية الإسرائيلية. وبعد الحرب، حدث تناقض بين القيادات الروسية في الانحياز لمصلحة مصر والوقوف إلى جانبها، إلا أن القرار الروسي حسم بعد يومين بعدم التدخل عسكريًا في الحرب، وربما يعزى ذلك إلى أن إسرائيل كانت قد أنهت تدمير الطيران المصري المرابط في المطارات.

وعلى المستوى الإقليمي، كان من المهم التعرف إلى الموقف الإيراني من حرب حزيران/ يونيو 1967، لما له من أهمية في دراسة السياسة الخارجية الإيرانية. وقد يكون من المهم أو الضروري اتباع منحى تفكيك القوى داخل إيران، والتمييز بين النخبة السياسية ورجال الدين وأحزاب المعارضة السياسية.


الرواية الإسرائيلية لحرب حزيران/ يونيو 1967

إن عملية صنع قرار الحرب في إسرائيل عملية مركبة، يتداخل فيها ويتفاعل معها كثير من العوامل الداخلية والخارجية، بعضها رسمي علني أو غير علني، وبعضها الآخر غير رسمي وغير علني. فالحكومة الإسرائيلية هي الجسم الوحيد المخوّل اتخاذ قرار الحرب من الناحية الرسمية والقانونية. فإسرائيل كانت على أهبة الاستعداد واضعة إستراتيجية عسكرية محكمة المعالم بغية شن حرب 67 على مصر وسورية والأردن، وتحدد ذلك وفقًا لجملة من المتغيرات تتمظهر في كون حرب 1948 لم تنته، لأنها لم تجسد مبتغاها وتحقق ما كانت ترجوه وتأمله في ما يتعلق بمسألة حدود الكيان الصهيوني، وأنها لم تكن إلا جولة واحدة من الحروب التي على الكيان الصهيوني أن يستعد لها أتم الاستعداد ، وتسعى لاغتنام الفرصة السانحة لخوضها من أجل توسيع حدوده في جميع الضروب والاتجاهات، واحتلال الضفة الغربية وغزة وسيناء والجولان وجنوب لبنان، والدور البارز والمركزي للمؤسسة العسكرية للكيان الصهيوني في صنع قرار الحرب والتشبث بالحل العسكري لحل الأزمة التي تجلت ليلة الحرب وساهمت بصورة جذرية في تصعيدها.

على المستوى الداخلي في إسرائيل، فإن الديالكتيك الصهيوني حول حرب حزيران/ يونيو أعمق بكثير من كونه رؤى متباينة لتمفصلات الحرب، والإجابة عن سؤال مركزي مفاده: من المسؤول عن إشعال فتيل هذه الحرب ومن بدأها؟ لم يكن هذا الديالكتيك ليتجلى للعيان لولا ظهور المؤرخين الإسرائيليين المحدثين في وثبة وطفرة تعدّ من أهم التغيرات الأكاديمية الحاصلة، لأنها فتحت بادرة جديدة ستؤرخ للقضية الفلسطينية والصراع العربي-الإسرائيلي، لكن هذه الوثبة كانت جزءًا لا يتجزأ من ظاهرة ثقافية وفكرية متشابكة. لهذا يكون الجدل المعاصر حول التأريخ الإسرائيلي ما هو إلا نتيجة لتطور ثقافي، لا ينعكس تأثيره في التأريخ فقط، بل في الأدب كذلك، وجرى عقد مقارنة مستفيضة بين أحدث ثلاث دراسات وأبحاث إسرائيلية لحرب حزيران/ يونيو، تجسد كل منها توجهات فكرية ورؤى أيديولوجية متمايزة؛ الأولى هي التي بسطها وعمد إلى عرضها الباحث مايكل أورين وهو مؤرخ وكاتب إسرائيلي، وسفير إسرائيل في الولايات المتحدة منذ 20 تموز/ يوليو 2009 في كتابه ستة أيام من الحرب: حزيران 1967 وتشكيل الشرق الأوسط الجديد (2002)، والثانية هي التأريخ المعاكس الذي قدمه توم سغيف في كتابه 1967: إسرائيل والحرب والسنة التي غيرت الشرق الأوسط (2005)، والثالثة هي التي خطها يوسي كلاين هالفي: "مثل الحالمون: قصة المظليين الذين وحدوا القدس وقسموا الأمة" (2013)، وعلى الرغم من التركيز على هذه الأعمال الثلاثة، إضافة إلى بعض الدراسات التي قدمها مؤرخون إسرائيليون مثل بيني موريس وآفي شلايم.

كما اهتمت بعض الأوراق المشاركة في المؤتمر بالإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية في حرب 1967 وجهد الدفاع العربي، وتطرقت فيها إلى ماهية الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية خلال حرب حزيران/ يونيو، وبحث جملة الوسائل السياسية والعسكرية والدبلوماسية التي بذلتها إسرائيل في مقابل الجهد العربي، قبل الحرب وأثناءها، وتعرض إلى الجوانب السياسية والعسكرية والدبلوماسية قبل حرب 1967 وبعدها، وتتبع وسائلها والكيفية التي نفذت بها إسرائيل مخططاتها، والدوافع الإسرائيلية الحقيقية الكامنة من وراء الحرب.


حرب حزيران/ يونيو 1967: التفاعل مع نتائج الحرب وتداعياتها فلسطينيا وعربيًا

تركت حرب حزيران/ يونيو 1967 أثرًا في تطور المقاومة الفلسطينية في المجالات العسكرية والشعبية والتنظيمية، وعلاقتها بالأنظمة والشعوب العربية، وانعكاس ذلك على القضية الفلسطينية، ووجود إرهاصات لتشكيل منظمات فلسطينية أخرى، وتأثير جمال عبد الناصر في ذلك، فضلًا عن أثر الحرب المباشر في انطلاقة فتح الثانية. وكان من نتائج الهزيمة أنه لم تعد الجماهير الفلسطينية تؤمن بالحكومات العربية، ما أدى إلى تطور تشكيلات الأحزاب الفلسطينية، وتمكنت من إقامة قواعد لها في البلدان العربية. ومع نهاية الحرب توقفت ملاحقة العمل الفدائي الفلسطيني، بل أصبحت بعض الحكومات تؤمن بدوره، وكيف تم تحويل المقاومة من الهزيمة إلى تعزيز العمل الوطني الفلسطيني، ثم ما لبثت أن دخلت في مشاريع جانبية.

اقتصاديًا، كانت للحرب تداعيات سلبية على الاقتصاد الفلسطيني، وما زال يعانيها حتى اليوم، فبعد احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة، تم وضع الاقتصاد الفلسطيني تحت السيطرة المشددة للمؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي قامت باستغلال الأرض والموارد المائية في الضفة الغربية والقطاع لمصلحة الاحتلال. كما عرقلت نشاط القطاع الخاص الفلسطيني ومنعت تطوره، وفرضت قيودًا مشددة على حركة الأفراد والتجارة داخل الأراضي المحتلة وخارجها، وحولت الاقتصاد الفلسطيني إلى رهينة للسوق الإسرائيلية. أما الرواية الإسرائيلية بأن تأثير إسرائيل كان إيجابيًا، فهي رواية مغلوطة ومضللة؛ فقد أدت الممارسات الإسرائيلية إلى حدوث انهيار اقتصادي في قطاع غزة، وظهور أزمات إنسانية غير مسبوقة، ما أدى إلى تزايد معدلات البطالة والفقر وانعدام الأمن، وانعزال الاقتصاد الفلسطيني عن محيطه العربي، وإلحاقه بالاقتصاد الإسرائيلي.

عربيًا، تم تحليل جوانب الخلل في وقوع الهزيمة، وأسبابها، ولا سيما أن معظم التحليلات انطلقت من مرجعيات أدبية وفكرية فلسفية أو سوسيولوجية أو حتى سيكولوجية تناولت الأزمة بنوع من الهيستيريا إن صح هذا التعبير، وليس من منظور سياسي علمي رصين ولا يزال في مرحلة متخلفة في طبيعة التناول، مثل ما قام بمعالجته عبد الله العروي وعزيز العظمة وسمير أمين وجورج طرابيشي وغيرهم، الذين حمّلوا الشخصية العربية المسؤولية بحكم أنها تهتم فقط بالمظاهر والقشور ولا تهتم بالجوهر، وطريقة التناول فهلوية، ولا يحملون جمال عبد الناصر المسؤولية مثلًا، عادّين القضية مرتهنة بالناحية النفسية والشخصية للمصري عمومًا ولا علاقة لعبد الناصر وحده بذلك. لهذا، فهم يرون أن هذه الهزيمة حتمية، وليست لها علاقة تمامًا بالناحية العسكرية، فحتى الطريقة في التناول السياسي للقضية مالت إلى لوم المجتمعات العربية برمتها، ناقمة عليها، وواصفة إياها بكل نعوت التراجع والتخلف والتذبذب، ولم تحمّل الحكام المسؤولية التي ينبغي أن تلقى عليهم، فهم الذين غيبوا الشعوب عن ساحة المعركة تمامًا.

في السياق ذاته، تم التطرق إلى التحركات العربية عشية الحرب، ولعل موضوع القمة العربية الرابعة في الخرطوم، في آب/ أغسطس 1967، كان أهمّها من خلال تسليط الضوء على مؤتمر القمة العربي في الخرطوم من زاوية تاريخية، والذي عُقد لتدارس الموقف العربي والنظر في وضع خطة عربية مشتركة لإزالة آثار العدوان ومخلفاته.

في إطار اهتمام المؤتمر بمناقشة تجليات الاحتلال الإسرائيلي على الجولان ومواطنيه السوريين: التطهير العرقي والاستيلاء على الأرض وموارد المياه، جاءت دراسة، تحدثت عن أطماع الحركة الصهيونية في الجولان وسياسات الاحتلال ضد الجولان، ذاك أن الصهاينة لا يخفون أطماعهم فيها، وهناك سعي لجعلها ضمن الدولة العبرية المستقبلية. كما استعرضت التحليلات التي تقول بنفي المؤسسة العسكرية للكيان الصهيوني وجود أي خطط ممنهجة مسبقة لاحتلال الجولان، ويلقى هذا التوجه تأييدًا لدى معظم المؤرخين والباحثين الإسرائيليين. كما تم تناول شهادات لعدد من الضباط الذين شاركوا في حرب حزيران/ يونيو 1967 على الجبهة الأردنية والمصرية، وشهادات كذلك عن المشاركة العراقية.