العنوان هنا
مقالات 16 ديسمبر ، 2012

هل بدأت التّحضيرات لانتخابات الرئاسة الإيرانيّة؟

رشيد يلوح

الدكتور رشيد يلوح باحث في العلاقات العربيّة - الإيرانيّة والسياسة الدّاخليّة الإيرانيّة. عمل باحثا في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وقبلها صحافيًّا متخصِّصًا في الشؤون الإيرانيّة. له عدّة بحوث وترجمات بين اللّغتين الفارسيّة والعربيّة، ودراسات في الثّقافة والإعلام والدراسات الإيرانيّة. وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوع "التّداخل الثّقافيّ العربيّ - الفارسيّ"، من جامعة محمد الخامس في الرّباط. وعلى درجة الماجستير في اللّغة والأدب الفارسيّين من جامعة "تربيت مدرس" في طهران. وكان قد حاز شهادة الليسانس (البكالوريوس) في الأدب العربيّ من جامعة ابن زهر في أغادير - المغرب. وهو عضو بالجمعية المغربية للدراسات الشرقية.

يبدو أنّ الساحة الإيرانيّة قد بدأت في استقبال أولى إشارات التحضيرات للانتخابات الرئاسيّة التي ستشهدها  البلاد صيف 2013. وتمثّل تحرّكات أنصار خامنئي من جهةٍ، وتحرّكات كلٍّ من نجاد وخاتمي ورفسنجاني، من جهةٍ أخرى، مؤشّراتٍ دالّةً في هذه التحضيرات.

آخر التحركات في أفق الانتخابات المقبلة، كان إعلان وزير الخارجيّة السابق، منوشهر متكي، عزمه الترشُّح رسميًّا في الانتخابات القادمة، ويعتقد محلّلون أنّ الرجل سيكون مرشّحَ التيّار الأصولي. فإضافةً إلى قربه من المرشد علي خامنئي، ينتمي متكي إلى دائرة رئيس مجلس الشورى الحالي علي لاريجاني. ويبدو واضحًا أنّ منوشهر متكي ينوي استثمار صورة الوزير المظلوم في حكومة أحمدي نجاد، ضمن معركته الانتخابيّة، فالرجل  كان  ضحيّة إقالةٍ قاسيةٍ من منصبه، استهدفته وهو في مهمّة عملٍ خارج البلد، وكانت لها حينئذ تداعيات سلبيّة على أحمدي نجاد.

وبالتوازي مع ما يجري حاليًّا، يناقش مجلس الشورى الإسلامي هذه الأيّام مشروع قانونٍ جديدٍ ينظّم الانتخابات الرئاسيّة. وفي حال اجتيازه بقيّة المراحل القانونيّة، سيضع هذا القانون المزيد من الحواجز أمام المرشّحين للرئاسة، على الرّغم من التصويبات التي قدّمها مجلس الخبراء، وبعض أعضاء مجلس الشورى، والتي انتهت بحذف المادّة السابعة من المشروع، لتعارضها مع الدستور. وهي المادّة التي اشترطت حصول المرشّح للانتخابات الرئاسيّة على 25 صوتًا من أصوات مجلس الخبراء لإثبات تَدَيّنِه، ومئة صوت من أصوات أعضاء مجلس الشورى لإثبات قدرته على التدبير وتمتّعه بالكفاءة الإداريّة. ويُتوقّع أن يُخرج هذا القانون الإشراف على العمليّة الانتخابيّة من يد وزير الداخلية، ليضعها في يد النائب العامّ الذي سيترأّس  لجنةً مختصّةً لهذا الغرض.

من الواضح جدًّا أنّ خامنئي والحرس الثوري يواصلان تحييد خصومهما السياسيّين من مواقع السلطة، سواء أكانوا في التيّارات المنافسة أم من داخل التيّار المحافظ نفسه. وفي هذا السياق تعدّ تصفية تيّار أحمدي نجاد أولويّةً عند هؤلاء. وقد بدأ هذا المنحى منذ شهورٍ بالاتّهامات والملاحقات القضائيّة، ومحاولة العزل السياسيّ، ليصل اليوم إلى محاولة العزل القانونيّ بواسطة مجلس الشورى.

في ردّ فعلٍ غاضبٍ للرئيس أحمدي نجاد قبل أيّام على مشروع انتخابات الرئاسة الجديد، حذّر من تلاعب مجموعةٍ قليلةٍ بإرادة الشعب الإيرانيّ، معتبرًا لجوء المرشّح الرئاسي إلى المجلس للحصول على تأييد أعضائه استهانةً بمبدأ السيادة الشعبيّة، إذ لا يمكن بأيّ حالٍ أن يتحكّم عضوٌ في المجلس في ترشيح الرئيس، إذ لا مجال للمقارنة بين نسبتَي التمثيل الشعبي للطرفين.

يبدو أنّ نجاد الذي تنتهي ولايته في حزيران / يونيو عام 2013، يسعى إلى دعم مرشّحٍ من تيّاره السياسي، قد يكون على الأرجح، مجتبى ثمره هاشمي، أحد كبار مساعدي الرئيس. لكن من الصعب التكهّن بنجاحه في هذه المهمّة أمام ترسانةٍ من المجالس والحواجز الدستوريّة، التي يمسك بها خصومه في تيّار خامنئي والحرس الثوريّ.

ولقد أجرت مؤسّسة "إيران" استطلاعًا للرأي في إيران بخصوص المرشّح المفضّل للانتخابات الرئاسيّة قبل أيّام، فكشفت النتائج أنّ محمد خاتمي، ورحيم مشائي، من أفضل الشخصيّات لدى المستطلَعين. لكنْ، يرى محلّلون عبور مشائي صهر أحمدي نجاد المثير للجدل، إلى ساحة المنافسة أمرًا مستحيلًا، فالرجل متّهمٌ في أوساط التيّار الحاكم بالانحراف العقدي، والعمل على تقويض المؤسّسة الدينيّة الرسميّة. ويبقى عند الكثير خيار الرئيس الأسبق محمد خاتمي مطروحًا بقوّة، خاصّةً أنّه لم يسبق له أن اصطدم بالمرشد. وعلى الرّغم من كلّ الأحداث والضربات التي تلقّاها "الإصلاحيّون"، والاتّهامات التي نالتهم عقب انتخابات عام 2009، بقي خاتمي محافظًا على علاقته بالحُكم، وكان حضوره للتصويت في الانتخابات التشريعيّة بداية عام 2012 مؤشّرًا واضحًا على هذا التوجّه التوفيقيّ.

لربّما يمثّل خاتمي مخرجًا ملائمًا  للمرشد علي خامنئي  من الأزمة التي يعيشها النظام الإيرانيّ في الداخل، إضافةً إلى عزلته الاقتصاديّة والسياسيّة دوليًّا. فمن الممكن جدًّا أن يحدث انفراجٌ جزئيّ في ملفّ القياديّين المحاصرين؛ مير حسين موسوي، ومهدي كروبي، وباقي المعتقلين من رموز التيّار الإصلاحي. وقد يشمل هذا الانفراج إخراجهم من الحصار والسجون، ووقف المضايقات الأمنيّة، شرط عدم خوضهم في أيّ نشاطٍ سياسيّ.

وقد تكون تحرّكات هاشمي رفسنجاني الأخيرة مفيدةً في فهم الوجهة التي يتّجه إليها الرجل، ويبدو أنّ ملامح هذه الوجهة قد  بدأت تتّضح قبل أسابيع، عندما سُجنت ابنته فائزة، وقام هو باستدعاء ابنه مهدي هاشمي من لندن، على الرغم من أنّه مطلوبٌ للسلطات القضائيّة في طهران، بتهمٍ تخصّ علاقته بأحداث عام 2009. ولقد اعتُقل ابنه بالفعل في مطار الإمام الخميني، عند دخوله البلاد، ولا يزال إلى اليوم خاضعًا للتحقيقات الأمنيّة. وسبق لرفسنجاني أن زار ابنه في سجن "إفين"، وصرَّح بأنّ أبناءه  "مثل كلّ أبناء الشعب، إذا أخطأوا فهم يستحقّون العقاب". ولكن، قرأ بعض المحلّلين  في هذا التطوّر محاولةً من رفسنجاني لتطهير صورته شعبيًّا، قبل انتخابات الرئاسة، بعد أن لاحقته ولاحقت أسرته تهمٌ وشائعات بالفساد واستغلال النّفوذ. وتندرج في هذا التفسير أيضًا دعوة رفسنجاني قبل أيّام المسؤولين الأمنيّين والقضائيّين الذين باشروا أعمالهم في بداية الثورة، إلى تقديم شهاداتهم وتوضيح ظروف المحاكمات والإعدامات ومصادرات الأموال التي عرفتها تلك المرحلة.

قد يكون عامل السنّ مانعًا من دخول رفسنجاني في تجربة رئاسيّة أخرى، لكن باستطاعته أيضًا توظيف رصيده السياسي لصالح مرشّح آخر، وليس مستبعدًا أن يكون هذا المرشّح هو محمد خاتمي.

وإذا كانت التسريبات التي راجت عن انطلاق جولة من المفاوضات السرية بين رجال خامنئي والحرس الثوري من جهة، والأميركيّين من جهةٍ أخرى صحيحة، وكُتب لها النّجاح، فلا يُنتظر أن يكون هذا النجاح في صالح معارضي النظام، خاصّةً أنّ الأميركيّين قد غيَّبوا منذ سنوات، الأمور المتعلّقة بالديمقراطيّة وحقوق الإنسان من مطالباتهم للنظام الإيرانيّ، مركّزين على  الملفّ النووي. فتحقيق توازنٍ طائفيّ في المنطقة أصبح من أولويّات الإدارة الأميركيّة، ولن يتحقّق ذلك بالطبع دون وجود نظام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة واستمراره بصورته الحاليّة.

وفي كلّ الأحوال، ستكون فرصة الانتخابات الرئاسيّة القادمة محطّةً حاسمةً بالنسبة إلى خامنئي والحرس الثوري. فالتوصّل إلى حلٍّ يُخرج الجمهوريّة الإسلاميّة من حالة الانسداد، أصبح أمرًا ضروريًّا، وتُعدّ إعادة الاعتبار لمبدأ السيادة الشعبيّة أولويّةً كبيرةً في هذا الحلّ، بعد أن عرفت السنوات الأخيرة تركيزًا مفرطًا للسلطة في يد أنصار مرشد الثورة، المُتَّهمين بتفشّي الفساد الماليّ والاقتصاديّ في مفاصل الدولة، مع انتشار كلّ مظاهر الفقر والبؤس الاجتماعي في أوساط الإيرانيّين.