عقد المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات الدورة التاسعة لمؤتمر قضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي تحت عنوان "المسألة الدستورية والتحول الديمقراطي" في الفترة 24-29 أيلول/ سبتمبر 2020 بالتعاون مع المنظمة العربية للقانون الدستوري. وقد جرت أعمال الدورة عبر تقنيات الفيديو عن بعد مراعاة لإجراءات السلامة في ظل جائحة "كوفيد – 19" التي يمر بها العالم.

وقدم الجلسة الافتتاحية للمؤتمر مهدي مبروك، مدير فرع المركز العربي - فرع تونس، مشيرًا إلى أن ثمة أكثر من مبرر يجعل المسألة الدستورية مبحثًا علميًّا ذا راهنية قصوى، أهمها أنّ الدساتير في بلداننا العربية تُعدّ - في مفارقة عجيبة - أحد قوادح الثورات والانتفاضات من جهة، وأحد أسباب تعثرها وفشلها من جهة أخرى. وأضاف مبروك أنه بصرف النظر عن المقاربات المختلفة وزوايا النظر المتعددة التي نُطلُّ منها على أوراق المؤتمر، فإن جُلّ البلدان التي مرت بهذه الانتقالات المتعثرة شهدت، في مجملها، مسارات دسترة مهمة تمَّت فيها صياغة دساتير، أو مشاريع دساتير جديدة أحيانًا، أو تعديل دساتير "قديمة" ضمّت بعض تطلعات المحتجين وحاجاتهم وأشواقهم - نخبًا وفئاتٍ اجتماعيةً عريضةً - حتى بدا الدستور عَقدًا وثيقًا بين الحاكم والمحكوم تتحدد فيه طبيعة الدولة، وأركان النظام السياسي وتوزيع السلطات والعلاقة بينها، فضلًا عن الحقوق والواجبات التي لا تكتمل بها مواطنية المواطن فحسب، بل إنسانيته أيضًا. ونوَّه مبروك بأنّ التجارب المقارنة في بناء الدستورية تؤكد أن الدستور ليس وصفةً جاهزة لحل كل المشاكل والقضايا التي تعانيها الجماعات الوطنية، بل هو بناءٌ عسير يجلّي مختلف القوى والإرادات الاجتماعية التي تجعل من كتابة الدستور وصياغته عمليةً شاقة لا تعكس موازين القوى فحسب، بل ثقافة النخب المتراكمة وطبيعة المجتمعات السوسيوثقافية أيضًا، علاوةً على تراثها السياسي والدستوري.

خبرات اليمن العراق والجزائر وحالات السودان وليبيا وسورية والمغرب

في أعقاب الجلسة الافتتاحية، دارت جلستان عبر منصة "زووم"، ضمَّتا مجموعةً من أبرز الخبراء العرب ممن شاركوا في عملية وضع دستور جديد فيما بعد عام 2011، أو اتصلوا بشكل مباشر بهذه العملية. وفي الجلسة الأولى قدمت شهادات تبلور خبرات اليمن والعراق والجزائر في التحول الدستوري وتعلقه بمسارات الانتقال الديمقراطي، وقد ضمّت أستاذة علم الاجتماع بجامعة تعز في اليمن ألفت الدبعي، التي قدمت عرضًا يلخص التجربة اليمنية، فيما بعد عام 2011، ضِمن محاولة امتلاك دستور ديمقراطي جديد، مستندةً في ذلك إلى خبرتها المباشرة في العمل ضمن فريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في مؤتمر الحوار الوطني في اليمن. فيما استعرض البرلماني وأستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد نديم الجابري، البعدين السياسي والفكري في كتابة الدستور العراقي الدائم الصادر في عام 2005. وقارب الأكاديمي الجزائري وأستاذ القانون العامّ بكلية الحقوق والعلوم السياسية بجامعة تبسة عمار بوضياف ارتباط مطالب الحراك الشعبي عام 2019 في الجزائر بالمشروع التمهيدي لتعديل الدستور الذي طرح في 2020.

في الجلسة الثانية للخبراء العرب، قدّمت شهادات أربع تبلور عدة خبرات عربية في التحول الدستوري؛ هي السودان، وليبيا، وسورية، والمغرب. وقد ضمَّت الجلسة كلًّا من المحامي والحقوقي السوداني نبيل أديب عبد الله، الذي تولى رئاسة لجنة التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان خلال الاحتجاجات السودانية، والمحامي الليبي محمد عبد القادر التومي، عضو الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في ليبيا، والمحامي السوري وأستاذ القانون الدولي العامّ بجامعة قطر محمد حسام حافظ، وأستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، والعضو السابق بالمجلس الدستوري والمحكمة الدستورية في المملكة المغربية محمد أتركين.

دراسات حالة دولية وتجارب مقارنة

شهد اليومان الثاني والثالث للمؤتمر عرض الخبرات الدولية، وذلك بمشاركة خبراء من الولايات المتحدة الأميركية وإسكتلندا وسويسرا والأرجنتين وألمانيا. كما تناولت أوراق دراسات حالة ودراسات مقارنة لتجارب دستورية من مناطق العالم المختلفة، منها تجارب جنوب أفريقيا، وإسبانيا، وتشيلي، وبولندا، وإندونيسيا.

في المحاضرة الافتتاحية لليوم الثاني في المؤتمر، عرض توم غينسبيرغ، أستاذ القانون الدولي والعلوم السياسية بجامعة شيكاغو، قضية بالغة الأهمية هي الحق في الخروج على السلطة والتطور التاريخي لتضمينه في دساتير بلدان العالم. وعبر منظور القانون الدستوري المقارن، أبرز غينسبيرغ السؤال الشائك: أيكون الانتفاض ضد سلطة ظالمة أمرًا مبررًا أم لا؟ هذا السؤال كان موضع اهتمام عميق لدى مؤسسي الولايات المتحدة، وليس مستغربًا أن سمحت دساتير دول عديدة لشعوبها بالوقوف في وجه حكوماتها، أو حتى الإطاحة بها في ظل ظروف معينة. اعتمد غينسبيرغ، لمقاربته الإجابة عن هذا السؤال، وبيان دور هذه المواد في الكشف عن المقاصد المهمة للدساتير، على بيانات مشروع الدساتير المقارنة البحثي الذي يشارك في إدارته، موضحًا حقيقة توزّع مواد "الحق في المقاومة" وأدائها الوظيفي في العديد من الدساتير.

تبعت المحاضرة الافتتاحية جلستان، خصصت الأولى لاستعراض خبرات تخص التحول الدستوري في العديد من بلدان العالم، تحدث فيها ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج واشنطون الأميركية والرئيس الأسبق لجمعية دراسات الشرق الأوسط؛ الذي استعرض ناثان براون عملية كتابة الدساتير في المنطقة العربية. وطرح ماركوس بوكينفورديه، أستاذ القانون الدستوري المقارن في قسم الدراسات القانونية في الجامعة الأوروبية المركزية ومدير بالإنابة لبرنامج مشروع بناء الدساتير في المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات في ستوكهولم؛ قضية تقييد فترات الرئاسة، متخذًا البلدان العربية في شمال أفريقيا نموذجًا لها. أما وويليام إيليوت بولمر، الأستاذ بجامعة دندي بإسكتلندا ومدير المشروع البحثي حول "الإعدادات التمهيدية لبناء الدساتير"، فقد تساءل عن دور المعرفة المقارنة في بناء الدساتير، مستعرضًا خبرته في مجال توفير المعرفة المقارنة الداعمة لعمليات بناء الدساتير والإصلاح الدستوري في عدد من البلدان، خلال سنوات عمله في المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات.

وفي الجلسة الثانية، جرى التطرق إلى عدد من القضايا والخبرات، من خلال مداخلات لكل من كاتيا باباجياني، مديرة دعم السياسات والوساطة بمركز الحوار الإنساني بجنيف والخبيرة في تصميم عمليات الحوار الوطني؛ وغابرييل نيجريتو، أستاذ العلوم السياسية بمعهد العلوم السياسية بالجامعة الكاثوليكية بسانتياجو دي تشيلي، والخبير في مجال التصميم المؤسسي والإصلاحات الدستورية والانتخابية.

استعرضت كاتيا باباجياني الدروس المستفادة من عمليات السلام، واتصالها بوضع الدستور في البلدان المتضرّرة من النزاعات. وقدّم غابرييل نيجريتو، عرضًا للدروس التي يمكن أن تُستفاد من التصميم المؤسسي لدساتير أميركا اللاتينية، وكيف أدت موجة الدمقرطة التي بدأت في أميركا اللاتينية في نهاية سبعينيات القرن الماضي إلى سلسلة تغييرات دستورية، سعت إلى تفكيك المؤسسات الموروثة من الماضي الدكتاتوري.

في اليوم الثالث للمؤتمر، عُرضت خمس أوراق تناولت، عبر دراسات الحالة والدراسة المقارنة، تجارب دستورية من مناطق العالم المختلفة، منها تجارب جنوب أفريقيا، وإسبانيا، وتشيلي، وبولندا، وإندونيسيا. تحدث تحدث أحمد إدعلي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ابن طفيل في المغرب؛ عن حالة جنوب أفريقيا، التي وسمها بكونها نموذجًا للدستورانية البراغماتية. وانطلق محمد أحمد بنيس، الأستاذ الباحث بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين بطنجة؛ في عرضه لبحثه عن التجربة الإسبانية من العوامل التي ساهمت في إنجاح تلك التجربة، وجعلتها علامة على موجة الدمقرطة التي اجتاحت بلدانًا عدة في جنوب أوروبا وغربها. وتوقف بنيس عند عامل توافقُ النخب الذي جعل من هذه التجربة حالةً فريدة لعلاقة المسألة الدستورية بالتحول الديمقراطي، سمتها استيعاب التناقضات الأيديولوجية والسياسية التي حملتها الأطراف السياسية في لحظة الانتقال بين عامي 1976 و1978. وحول التجربة الدستورية في تشيلي، تحدث محمد نعيمي، أستاذ علم اجتماع التنظيمات بمعهد التنمية الاجتماعية بالرباط، مبينًا أن النجاح الذي حققته هذه التجربة لم يخل من حدود ترتبط أساسًا بالمسألة الدستورية، في ظل كمون مظاهر للسلطوية في الدستور الموروث عن الحكم العسكري، لكن كان لها أسباب أخرى أهمها الإشكال الاقتصادي، الذي فرضه الخيار النيوليبرالي المتبع منذ إرساء الدكتاتورية.

وفي جلسة ثانية من اليوم الثالث، استعرضت مروة فكري، أستاذة العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة؛ عبر منظور مقارن، مسألة تصميم الدساتير وبناء الثقة، من خلال أربع حالات نجحت في إنجاز الانتقال الديمقراطي، هي بولندا، وتشيلي، وجنوب أفريقيا، وإندونيسيا. وتحدث أحمد حسين، الباحث بالمركز العربي ومدير تحرير دورية "سياسات عربية"، حول التجربة الدستورية للاتحاد الأوربي، مستعرضًا ترافق التأطير الدستوري عبر المعاهدات الوحدوية، مع توسع الجماعة وضمها أعضاءً جددًا. دخلت دول الجماعة الأوروبية مرحلةً جديدة من التعاون والتكامل، أفضت إلى توقيع معاهدة ماسترخت في عام 1992؛ وهي المعاهدة التي انتقلت بموجبها الجماعة الأوروبية إلى اتحاد شكلًا ومضمونًا.

الدساتير وقضايا الهوية والديمقراطية ومكافحة الفساد

شهد اليوم الرابع للمؤتمر ثلاث جلسات، تناولت الأولى علاقة الدستور بمسألة الهوية من خلال عرض حالتَي السودان والمغرب. وتحدث في هذه الجلسة عبد الوهاب الأفندي أستاذ العلوم السياسية ورئيس معهد الدوحة للدراسات العليا بالإنابة، ومحمد بليلض الباحث المختص بقضايا الهوية والتنوع الثقافي في المغرب. وبيّن الأفندي في بداية ورقته التي جاءت بعنوان "المعضلة الدستورية في السودان: الهوية والقانون والسياسي"، أنّ الأزمة السياسية المزمنة في السودان تظل في جوهرها أزمة دستورية. أما بليلض، فقد استعرض البعد المتعلق بالهوية في المسار الدستوري المغربي، من خلال عرض أدوار التيارات الأمازيغية والإسلامية في مسار وضع الوثيقة الدستورية في 2011.

وفي جلسة اختصت بمناقشة الحالة التونسية، تتبع محمد شفيق صرصار أستاذ القانون والرئيس السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، مسار التوافق الذي وسم وضع الدستور التونسي، محاولًا استكشاف حدوده. وبيّن أن الحوار الوطني والتوافقات بين القوى السياسية، بدعم من قوى المجتمع المدني، عوامل قد أسهمت في تجاوز أزمات التأسيس الدستوري. وتناول شاكر الحوكي أستاذ القانون العام بجامعة المنار، التدويل في الدستور التونسي، بتضمين قواعد القانون الدولي فيه، وما لذلك من أهمية ديمقراطية. وأوضح أن المشرّع الدستوري قد آثر تبنّي المفهوم التقليدي للسيادة بوصفه القانون الأعلى للدولة، فلم يخضع للمعايير الدولية، ولم يأخذ بمقترحات المنظمات الدولية الحكومية وغير الحكومية، إلا في حدود ما كان يراه مناسبًا ومطابقًا لتصوراته. وبحث عمر البوبكري أستاذ القانون العام بجامعة سوسة، مسألة اختيار النظام السياسي في المسار التأسيسي التونسي وتداعياته، مبينًا أن هذا المسار قد اعترضته صعوبات عديدة، وضرب مثلًا بالجدل حول طبيعة النظام السياسي، التي انتهت المداولة فيها إلى اعتماد صيغة النظام شبه الرئاسي الذي يلبي تطلعات الأطراف المختلفة أيديولوجيًا بدرجات متفاوتة. وكان ذلك مؤشرًا توافقيًا، لكن سرعان ما تعرض النظام شبه الرئاسي لانتقادات؛ بسبب ما خلّفه من توتر داخل جهاز السلطة التنفيذية على وجه الخصوص.

وفي الجلسة التي تناولت مقاربات مقارنة لإشكاليات الدساتير العربية، تحدث عدنان نويوة أستاذ القانون بالمعهد العالي للدراسات التكنولوجية في بنزرت، ونضال المكي الباحث بجامعة لافال الكندية. تطرق نويوة إلى موضوع الحكامة ومكافحة الفساد في الدساتير العربية، مستعرضًا ما استحدث فيها من قواعد وإجراءات ومؤسسات جديدة للحكامة ومكافحة الفساد. أما المكي، فقد تناول بالبحث تأثير القانون الدولي لحقوق الإنسان في الدساتير العربية الجديدة. وقد أظهرت حالات تونس ومصر والمغرب، التي تناولتها ورقته، تباينًا بين الدساتير الثلاثة على مستوى شكل المسار التأسيسي.

وتناولت الجلسة الأولى في اليوم الخامس للمؤتمر، التجربة الدستورية المغاربية، تناول فيها عبد اللطيف المتدين أستاذ القانون العام والعلوم السياسية في جامعة مولاي إسماعيل، سيادة الشعب في نصوص الدستور المغربي وتشكلها عبر علاقات القوة، راصدًا الاختصاصات المسنَدة إلى الفاعلين السياسيين في المجالات التنفيذية والتشريعية والقضائية. وأكد الباحث أنه على الرغم من تبني الدستور مبدأ الفصل بين السلطات، فإن الاختصاصات الواسعة التي منحها للملك لم تحقق هذا المبدأ. وساهم محمد المساوي أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر، بورقة في الاتجاه نفسه تحت عنوان "الدستور المغربي 2011 وإشكالية تقييد سلطات الملك التنفيذية". أما محمد باسك منار أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، فقدّم نقدًا لمسار التفعيل المؤسساتي والقانوني لدستور 2011، وعرض الاختلالات في التوازن المؤسساتي بين مؤسسة ملكية سامية وحاكمة ومؤسسات تابعة يقيّدها "دستور غير مكتوب".

وفي جلسةٍ ثانية استعادتْ النقاش حول الحالات العربية ومناقشة التطور الدستوري العربي، طرح حسن عبد الرحيم السيد أستاذ القانون العام بجامعة قطر، مسألة المعيار الديمقراطي للدساتير، متخذًا دساتير بلدان الخليج العربية كحالة دراسة. وتناول وعمر إحرشان أستاذ القانون العام والعلوم السياسية في جامعة القاضي عياض بمراكش، أبعاد العلاقة بين السياق السياسي والنص القانوني، وأثرها في التحول نحو الديمقراطية في المغرب. واستنتج أن الدستور قد يشكل مدخلًا للتمكين للسلطوية، إن لم يشتمل على ضمانات حقيقية، أو شابت مضامينه "المناطق الرمادية" التي تفتح الباب على مصراعيه للتأويل المتناقض بحسب رغبات من يملك السلطة.

وفي اليوم السادس والأخير، 29 أيلول/ سبتمبر 2020، خصصت جلسة أولى لقضية التطور الدستوري العربي. وتحدث في الجلسة سيمون بدران أستاذ القانون بجامعة الشارقة، ورشاد توام الباحث المختص بالقانون. وعرض بدران لمدخل تعزيز الأنظمة التمثيلية بآلية القرعة، كوسيلة للإبقاء على النموذج الديمقراطي التمثيلي، وعدم الانزلاق في شرك "الديمقراطية المباشرة"، وحاول تطبيق ذلك على النظام السياسي اللبناني. وطرح حلًا بالانتقاء العشوائي لأعضاء مجلس الشيوخ، مؤكدًا إمكان تحول النظام السياسي اللبناني وفقًا لهذا الحل إلى "حالة" ممثلة لإسناد المناصب التشريعية بواسطة القرعة في الدول التي تعاني مجتمعاتها انقسامات عمودية. أما توام، فقد قدم عرضًا مقارنًا لتداعيات الهندسة الدستورية على الانتقال، وتساءل عن أثر المؤسس الانتقالي في تشكيل السلطة التأسيسية، وإرث دساتيره الصغيرة في الدستور الكبير.

وفي جلسة خصصت للنقاش حول التطورات الدستورية في الحالة الجزائرية، تحدث ثلاثة باحثين جزائريين عن الجوانب المختلفة للمسألة الدستورية في الجزائر. استعرض كمال جعلاب أستاذ القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية بجامعة الجلفة، الإشكاليات المرتبطة بمفهوم دولة القانون الديمقراطية ومتطلبات دسترته؛ وهو المفهوم الذي يجمع دولة القانون والديمقراطية، عبر البحث عن القيمة المشتركة بين المفهومين التي تصلح أن تكون أداةً دستورية خادمة لعمليّة التحوّل الديمقراطي. وخلص الباحث إلى أن التوفيق بين سلطة الأغلبية المُستمدّة من المبدأ الديمقراطي من جهة، وممارسة الحقوق والحريّات الفردية من جهة أخرى، يُعتبر أحد التحدّيات الأساسية التي يمكن أن تواجه أيّ عملية تحوّل ديمقراطي في مسارها الدستوري. وتناول مسلم بابا عربي الباحث المحاضر بقسم العلوم السياسية في جامعة قاصدي مرباح في ورقلة، موضوع التدبير الدستوري للانتقال السياسي في الحالة الجزائرية، واتخذ مقاربة الدستورانية الانتقالية مدخلًا لسبر التجربة القائمة؛ لمعرفة مدى إمكانية إنجاز التغيير السياسي السلمي عبر الآليات، أو الترتيبات، الدستورية المستمدة من النصوص الموروثة. وخلص الباحث إلى أن التجربة الجزائرية، مقارنةً بحالات عربية مشابهة، تميزت بفرض المؤسسة العسكرية لمخطط سياسي لإدارة المرحلة الانتقالية، مستندةً إلى تدابير دستورية مستمدة من النصوص السارية، رأتها المعارضة تقييدًا لمسار التغيير يرجّح كفَّة إعادة إنتاج المنظومة القديمة على حساب إمكانية إنجاز التغيير السياسي السلمي.

أما عباس عمار أستاذ القانون الدستوري والنظم السياسية بجامعة مصطفى اسطمبولي – معسكر. فقد ناقش مسألة توسيع إخطار المجلس الدستوري الجزائري لأعضاء البرلمان، والذي وصفه بأنه "انفتاح معقلن". ورأى الباحث أن تعديل إجراءات الإخطار سيسهم في تفعيل الدور الرقابي للمجلس الدستوري، وتعزيز تدخله لفرض احترام السلطات لقواعد الاختصاص والإجراءات، مع حماية الحقوق والحريات المكفولة دستوريًّا.

واختتم المؤتمر أعماله بجلسة ختامية، طرحت فيها العديد من المسائل من قبيل: تأثر عملية كتابة الدساتير بنوعية نظم الحكم؛ والدساتير بوصفها انعكاسًا لموازين القوة خلال الصراعات التي تصحب عملية التحول الديمقراطي؛ والدور المهم للمحكمة الدستورية؛ والتأثير الفرنكوفوني في الدساتير العربية؛ وأهمية الثقافة السياسة ووعي النخب السياسية في نجاح الدساتير والتحول الديمقراطي؛ وسؤال متى تكتب الدساتير وحقيقة تعديل الدساتير القائمة أو إحياء دساتير قديمة في بعض الحالات؛ وأهمية عامل الوقت واستمرار الممارسة السياسية السلمية وعدم الاحتكام إلى السلاح أو الاستقواء بالخارج في نجاح التحول الدستوري الديمقراطي؛ والاهتمام بالغايات من الدستور وبطرائق تمكين دولة القانون والمؤسسات. وانتهى المؤتمر إلى توصية من الخبراء والباحثين بضرورة الاستمرار في البحث في موضوع الإصلاح الدستوري في الوطن العربي، وما يرتبط به من إشكاليات وتحديات.