نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدورة الثانية من المؤتمر السنوي لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي" خلال الفترة من 28 إلى 29 أيلول/ سبتمبر 2013 في الدوحة. وخصص المؤتمر للسنة الثانية على التوالي لدراسة موضوع " الإسلاميون ونظام الحكم الديمقراطي" بتناول "مسائل المواطنة والدولة والأمّة" بعد أن تناول المؤتمر الأول (2012) "تجارب واتجاهات".

افتتح المؤتمر بجلسة افتتاحية قدّم فيها الدكتور عزمي بشارة، المدير العامّ للمركز، محاضرة عنوانها: "نحن" و"هم" ومأزق الثقافة الديمقراطية في عصر الثورة.

مفهوما الدولة والأمة

جرت أعمال المؤتمر وفق نظام الجلستين المتوازيتين، حيث أدرجت الجلسات في مسارين متايزين في قاعتين منفصلتين. تناولت الجلسة الأولى في مسارها الأوّل موضوع الفكر الإسلامي ومفهوم الدولة. واستُهلّت بورقةٍ قدّمها الباحث المغربي محمد همام تحت عنوان "الحاكمية في فكر الحركة الإسلامية ما بعد الربيع العربي، بين الخفاء والتجلّي: مدخل إلى تفكيك نموذج ثيوقراطي". وانتقد الباحث استمرار أطروحة الحاكمية في فكر الحركة الإسلامية ما بعد الربيع العربي. أمّا المتحدّث الثاني، فكان طيبي غماري الذي قدّم ورقة عنوانها "إشكالات التحوّل من جماعة المؤمنين إلى دولة المواطنين"، والتي ركّز فيها على فرضيّة أنّ أزمة الإسلام السياسي تكمن في عدم تطوير نظريته. ورأى أنّ هناك حالاتٍ نجح فيها الإسلام السياسي؛ فالإسلاميون اليوم من أكثر التنظيمات السياسية حضورًا في الدول العربية من حيث الكمّ والكيف. وأضاف أنّ فشل الإسلاميّين في تطوير نظريةٍ سياسية تستوعب المواطنين جميعهم على اختلاف قيمهم ومللهم ونحلهم، هو الذي يؤدّي في النهاية إلى حتميّة فشل الإسلام السياسي.

وختَم الباحث عبد العزيز راجل هذه الجلسة بورقةٍ عنوانها "مسألة الحاكمية: بين النصّ والتأويل"، والتي استعرض فيها مفهوم الحاكمية والمرجعية النصّية للحاكمية. ورأى الباحث أنّ مدلول الحكم في اللغة العربية والقاموس العربي، يتّسم بتعدّدٍ دلالي، والرجوع إلى القرآن واستعراض الآيات كلّها يدلّان على مفهومٍ ذي دلالاتٍ متعدّدة، ولا يفيدان المعنى السياسي الذي أُوّلتا به.

أمّا المسار الموازي للجلسة، فكان موضوعه الفكر الإسلامي وقضايا المواطنة. ترأّس الجلسة الباحث عبد الوهاب القصّاب الذي قدّم بسطة عن أهمية المواطنة. ثمّ عرض الباحث التونسي مرشد القبّي ورقة عنوانها "حقوق غير المسلم في مشروع الدولة الإسلامية: مواطنة تامّة أم منقوصة؟"، والتي أوضح فيها ما شهده العصر الحديث من توسّعٍ في حقوق غير المسلمين المدنيّة مقابل نقص في حقوقهم السياسية. ورأى الباحث أنّ الإسلاميّين لا يعطون أهميةً للأفراد في حدّ ذاتهم، بل ينظرون لهم كجزءٍ من جماعات.

ثمّ عرض الباحث نائل جرجس ورقةً تحت عنوان "غير المسلمين في المجتمعات العربية بين الواقع القانوني والفكر الإسلامي الحديث"، قال فيها إنّ هناك آيات قرآنيّة كثيرة تدلّ على التعايش والتسامح وواجب المعاملة الحسنة؛ ففي السابق كان وضع الأقلّيات في دار الإسلام أفضل من وضع الأقلّيات في أوروبا. ورأى الباحث أنّ حقوق الأقلّيات في الدول الإسلاميّة في العصر الحديث غير كافية.

وخُتمت الجلسة بورقةٍ للباحث المنجي السرباجي بعنوان "المواطن والمؤمن والإنسان: قراءة نقديّة في منزلة المواطنة في الإعلانات العربية والإسلامية لحقوق الإنسان". وانتقد الباحث البيانات الصادرة عن الجمعيات الإسلامية بخصوص حقوق الإنسان؛ فهي تركّز على مصطلح "الفرد" على حساب مصطلح "المواطن"؛ لأنّ الفرد في الأمّة هو المسلم. وأوضح أنّه يجب التركيز على أن يكون المسلم مواطنًا لا أن يكون المواطن مسلمًا.

قضايا المواطنة في تجارب وحركات

استهل المسار الأول من الجلسة الثانية، والذي كان عنوانه "الفكر الإسلامي وقضايا المواطنة في تجارب وحركات"، بورقة الباحث عصام مسلط "مفهوم السياسة والحكم لدى الإخوان المسلمين ودورهم في اللعبة الديمقراطية المعاصرة (غزة نموذجًا)"، وقدَّم فيها الباحث تقويمًا للممارسة السياسية لحركة حماس، استنتج في ختامه أنّ الحركة تتخذ الدين غطاءً لنشاطها وأهدافها السياسية.

وتحت عنوان "التجمع اليمني للإصلاح: قراءة في تجربته التاريخية، وجدلية الديني والسياسي، ورؤاه في المواطنة والدولة والأمة"، استعرض الباحث نبيل البكيري التجربة التاريخية الإصلاحية في اليمن، واستنتج أنَّ العامل الإخواني فيها ليس إلا عاملًا ثانويًّا. ويعتقد الباحث أنَّ حزب التجمع اليمني للإصلاح يدرك تحوّلات الاجتماع السياسي المعاصر وتعقيداته الدولية والإقليمية، انطلاقًا من وضوح نظرته إلى الإصلاح، وذلك من خلال أدبياته السياسية المتعلقة بمسألة الدولة والأمّة وحدود كلٍّ منهما، وعدم خلطه بين المصطلحين.

وقدم الباحث هشام خباش تحت عنوان "الثابت والمتحول في مواقف الإسلاميين المغاربة من الدولة المدنية: نموذجا ’العدل والإحسان‘ و’العدالة والتنمية‘". وتناول مواقف التنظيمين الإسلاميين درسًا وتحليلًا، راصدًا الإشارات السياسية والأيديولوجية التي تفيد الثبات والتحول بالنسبة إلى مفاهيم الدولة المدنية. وفي ختام ورقته، رأى الباحث أنّ على الإسلاميين اليوم إخراج نظام الدولة الإسلامي من برجه الطوباوي، لأنّ النظام الإسلامي تأويل بشريّ لنصوصٍ دينية، وأنّ الفعل التأويلي يمكن أن يصيب كما يمكن أن يخطئ.

أما المسار الثاني في الجلسة الثانية فكان عنوانه "الفكر الإسلامي ومفهوم الدولة في سياق عربي وعالمي". وقد ركَّزت أوراق هذا المسار على تطوّر العلاقة بين الإسلام السياسي والدولة الوطنية الحديثة. وتوصَّل الباحثون إلى أنّ الدولة الحديثة تركت آثارًا عميقةً في التيّارات الإسلامية تراوحت بين القطيعة، والتأقلم، والاندماج.

واقترح الباحث الكويتي مشاري حمد الرويح في ورقته التي جاءت تحت عنوان "إسلامي وواقعي، أم ليبرالي، أم بنيوي: مسارات الدولة والأمّة في التنظيم الدولي المعاصر"، إضافةَ مفهوم "الأمة" بوصفه مستوًى تحليليًّا بين "الدولة" و"المجتمع الدولي"، على غرار مفهوم "الإقليم" الذي أضافته مراجعات المدرسة الإنكليزية للعلاقات الدولية؛ وذلك للتمكُّن من فهم سلوك الحركات الإسلامية المعاصرة.

وفي الورقة التي قدّمها الباحث الجزائري طاهر سعود، تحت عنوان: "القُطري والدولي في تجربة الحركة الإسلامية: الحركة الإسلامية في الجزائر نموذجًا"، نبَّه الباحث إلى أنّ سؤال الدولة دفع تيار الإسلام السياسي في الجزائر إلى التعدّد والانقسام إلى حدّ الصراع، وقد ناقش هذه المسألة من خلال تجربة جماعة البناء الحضاري التي عرفت بعد ذلك تحت تسمية "الجزأرة" ودافعت عن محلية الفكر والتنظيم والخصوصية الجزائرية بخلاف "جماعة الإخوان المسلمين" التي تعدّ نفسها تنظيمًا دوليًّا عابرًا للحدود الوطنيّة.

وفي ورقةٍ بعنوان "الإسلام السياسي ومأزق الدولة الحديثة: دراسة للجذور الاجتماعية للإسلام السياسي وتحوّلات الخطاب"، حاول الباحث المغربي محمد الكوخي دراسة الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لعينة من أعضاء حزب العدالة والتنمية المغربي. واستنتج أنّ ظاهرة الإسلام السياسي لا يمكن دراستها إلا من جهة أنّها ظاهرة حديثة أنتجتها الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وأنّ دراسة هذه الظاهرة على أساس تحليل خطابها الفكري والتراثي على نحوِ ما يذهب إلى ذلك كثيرٌ من الباحثين، غيرُ ممكنة.

عودة للدولة والمواطنة

الجلسة الثالثة من المؤتمر كان عنوان مسارها الأول "الفكر الإسلامي ومفهوم الدولة". وقد قدم الباحث أشرف عثمان محمد الحسن ورقة بعنوان "الدولة في منظور الخطاب الإسلامي: قراءة في خطاب القطيعة مع الدولة"، ركّز فيها على أنّ فكرة الدولة الإسلامية تحتل الموقع المركزي في سياق خطاب يتناول العودة إلى النصوص، وقد بدأت تتصاعد بشكل أكثر بعد وصول بعض الحركات الإسلامية إلى السلطة بعد الربيع العربي.

كما قدم الباحث علي السيد محمد أبو فرحة ورقة بعنوان "في المنهجيات: التشوهات الفكرية في بناء مفهوم الدولة المدنية"، وتطرق خلالها إلى حديث مختلف التيّارات السياسيّة عن "الدّولة المدنيّة" في أعقاب تحولات "الرّبيع العربي"، ورأى أنّ التيارات السياسية بأطيافها كافة عجزت عن التّأسيس لمشتركٍ جديد بينها خارج ثنائية توصيف "الدينية" و"المدنية". وخلص إلى أنّ تبنّي عددٍ من الباحثين لمصطلح "الدّولة المدنيّة" كصيغةٍ جديدةٍ لتأطير المجتمعات العربيّة في أعقاب الثورات العربية، يفتقر إلى التّماسك النّظري؛ وبخاصّة أنّ مدلولات لفظ "المدنيّة" متباينةٌ بدرجةٍ أو بأخرى.

ورأى الباحث عبد الغني عماد في ورقته المعنونة "الإسلاميون والدولة: محددات التجديد ومعالمه في خطاب الحركات الإسلامية المعاصرة" أنّ الإشكالية التي يجب معالجتها تكمن في التحدي الذي أطلقه الربيع العربي حول إمكانية الانتقال من مشروع "الدعوة" إلى مشروع "الدولة"، وإدماج متطلبات هذا الانتقال في منظومة المشروع الحركي الإسلامي.

وقال الباحث محمد حبش الذي قدم ورقة بعنوان "التيارات الإسلامية ومسائل المواطنة والدولة والأمَّة: سؤال الأمَّة"، إنّ الصعود الإسلامي المتفق على حضوره وتأثيره لا يقدم رؤية منسجمة في إطار الحديث عن الأمَّة والدولة والمواطنة. وتوقع أن تنخرط الأغلبية العظمى من رافعي الشعارات الثورية الإسلامية في أحزاب واقعية تؤمن بالتغيير الديمقراطي، وربما تحمل رؤى سياسيةً متناقضةً ولكنها متفقة على احترام الشعار الإسلامي الثوري والتاريخ الإسلامي المجيد.

وفي القسم الثاني من الجلسة الثالثة بعنوان "الفكر الإسلامي والمواطنة"، تحدث الباحث زين الدين خرشي عن "المواطنة في خطاب الأحزاب الإسلامية وممارساتها: سياسة ضد المواطنة". وقد تناول إشكاليّة المواطنة لدى الأحزاب الإسلاميّة، من خلال تحليل خطاباتها وممارساتها السّياسيّة المختلفة. ووجد أنّ "اللحظة الجيليّة" برزت لدى قادة الأحزاب السّياسيّة، خاصّةً منها الإسلاميّة، في سياق المواجهة مع الأنظمة القمعيّة، على فكرة الإقصاء والإلغاء وممارسات العنف والعنف المضادّ، ما أنتج وعيًا سياسيًّا يطبعُه القلق الوجوديّ والتّمترس الفكريّ المعبَّر عنهما في خطابٍ هجوميٍّ ومتشنِّجٍ.

كما عرضت الباحثة دلال باجس في ورقتها عن "التمكين السياسي للمرأة في فكر الحركات الإسلامية بين النظرية والممارسة: الإخوان والنهضة نموذجان"، مفهوم التمكين السياسيّ للمرأة في الحركات الإسلامية. وتوصلت إلى أنه على الرغم من الكثير من التغيّرات التي شملت قطاعات واسعة في هذه الدول بعد ثوراتها المتتالية، فإنّ وضع المرأة لم يصل إلى الوضع المنشود بعد.

أما الباحث فؤاد بوعلي، فيرى في ورقته المعنونة "الهوية والمواطنة في خطاب الحركة الإسلامية الأمازيغية نموذجًا: المواطن والمؤمن والإنسان"، أنّ الحركة الإسلاميّة ميزت بين الأمازيغيّة بما هي لغة وثقافة مشتَرَكة للمواطنين المغاربة، والحركة الثّقافية الأمازيغيّة باعتبارها حركةً سياسيّةً ذات ولاءاتٍ غير وطنيّةٍ في مجمَلِها. ونتيجة لذلك، فإن الصِّدام كان حتمية سياسية بين تيّارين؛ أوّلهما يبحث عن التعدّد داخل الوحدة، والآخر يؤسِّس للانتماء البديل بمفردات الدّمقرطة والحقوق الكونية.

كما تحدث شمس الدين ضو البيت عن "الإصلاح الديني والإصلاح السياسي في المقاربات التقليدية والتجديدية وما بعد السلفية لمسألة المواطنة في الفكر الإسلامي السوداني"، ورأى أن التّطورات والأحداث التي ترتّبت على صراع المواطنة في السّودان والتّجارب التّاريخيّة التي مرّت بها المجتمعات العربيّة والإسلاميّة الأخرى، قد أدت إلى إدراكٍ متصاعدٍ لدى الحركات الإسلامية التي تعمل في المجال السّياسيّ أنّه لا بدّ من إصلاحاتٍ سياسيّةٍ تأخذ بمفهوم المواطنة القائمة على المساواة التّامّة بين سكّان الوطن الواحد. ومن ثم، انعكست الإصلاحات السّياسيّة في تخلّي بعض هذه الحركات عن إصرارها على تطبيق الشّريعة والنّصّ عليها في دساتير بلدانها.

قضايا الفكر الإسلامي والديمقراطية

وكان اليوم الثاني من المؤتمر قد استُهلّ بجلسةٍ في مسارين. المسار الأوّل بعنوان "التجربة التاريخية". وقدّم الباحث بلال شلش في هذا المسار ورقة عنوانها "التجربة التاريخية: النبوية والراشدة مصدر تشريع لدولة النبهاني". وركّز فيها على رؤية تقي الدين النبهاني للتاريخ الإسلامي وإشكاليّات كتابته، ومبرّراته لاستخدام التاريخ كمصدر تشريع، وختم بالتمايز والاختلاف بين نظرة النبهاني ونظرة الصحابة لهذه التجربة.

وكانت المداخلة الثانية من نصيب الباحث موسى محمد الباشا، بورقةٍ تحت عنوان "ما صلاحية دولة المدينة ونظام الخلافة الراشدة كنموذجين لدولةٍ إسلامية معاصرة؟". لقد حاول الباحث تقديم الإجابة عن التساؤل الذي يدور حول مدى صلاحية مُسَمَّى "دولة المدينة" التي "زُعِمَ" أنّ الرسول محمد صلى الله عليه وسلّم قد أسّسها في يثرب، ونظام "الخلافة الرَّاشدة" الذي أوْجَدَه أصحابه ٳثر رحيله، بوصفهما نموذجين تستلهمهما تيّارات الإسلاميين، وتقتدي بهما في سعيها لإقامة دولة ٳسلامية معاصرة. وخلص الباحث إلى نتيجةٍ مفادها أنّ دولة المدينة ونظام الخلافة الراشدة، لا يصلحان أنْ يكونا نموذجين يستلهمهما ويقتدي بهما ويتمثّلهما.

أمّا المتدخّل الأخير في هذه الجلسة، فهو الباحث محمد الغالي الذي قدّم ورقةً بعنوان "بناء الدولة الحديثة بين نظرية إمارة المؤمنين وطروحات الإسلام السياسي في المغرب: قراءة في فرص التعايش والاندماج ومخاطر التنازع". ركّز الباحث على نظرية إمارة المؤمنين. ورأى أنّ التطوّرات السابقة طرحت إشكالًا على مستوى بناء الدولة المغربية بين نظرية إمارة المؤمنين التي تبني مشروعية الحاكم على أساس العوامل التاريخية والدينية (السلالة النبوية الشريفة، والبيعة)، وطروحات الإسلام السياسي التي تبني مشروعها على إعادة الاعتبار للدين في السياسة من خارج حدود الهندسة في تأطير العلاقة بين الدين والسياسة داخل النظام السياسي القائم.

أمّا المسار الثاني للجلسة الأولى من اليوم الثاني (الرابعة في جدول أعمال المؤتمر)، فكان موضوعها: "في أسئلة الديمقراطية والدولة المدنية". واستهلّ الباحث شمس الدين الكيلاني المسار بمداخلةٍ عنوانها "الإسلام المعاصر وفكرة الدولة: الديمقراطية بين التجاذب والتنافر". ركّز فيها على أنّ علاقة الإسلاميين بالفكرة الديمقراطية لا ترتبط فقط بتقدّم أطروحاتهم وبصدق توجّهاتهم وحدهم، بل تتعلّق أساسًا بمستقبل الديمقراطية في بلادنا، وبطريقة أداء القوى السياسية والفاعلين الاجتماعيين داخل عملية التحوّل الديمقراطي. ثمّ قدّم الباحث امحمد جبرون ورقة عنوانها "الدولة الإسلامية من القرآن إلى السلطان ومن الأمّة إلى العصبية: تحليل تاريخي للتحوّل". أكّد فيها على أنّ دولة العصبية كان محكومًا عليها - حتميًّا - بالانهيار والزوال، فما إن يتقدّم بها الزمان، حتى تتلاشى شرعيتها، وتتآكل عصبيّتها، بسبب حلولها وانحلالها في جسد الدولة، وهو ما كان يتيح لعصبيّاتٍ أخرى الظهور، وتجديد الدولة.

وفي المداخلة الأخيرة، عرض الباحث سعود المولى ورقة بعنوان "المرجعية والحزب والدولة المدنية والمواطنة في الفقه الشيعي المعاصر". تحدّث المولى عن المرجعيات الفكريّة للعلماء الشيعة حول قضايا الدولة والمواطنة والاختلافات بين المدارس. ومن أبرز تلك المرجعيات الإمام موسى الصدر، ومحمد باقر الحكيم ، ومحمد باقر الصدر، ومهدي شمس الدين، وحسن فضل الله. أمّا في موضوع المجال العُلَمائي الشيعي الخاصّ، فتحدّث الباحث عن صراعٍ بين مدرستين فكريّتين (التيّار الإخباري – التيّار الأصولي) حول دور العلماء الشيعة في زمن غيبة الإمام الثّاني عشر (المهدي).

قضايا الأصالة والمعاصرة في أسئلة الحركات الإسلامية

وكانت الجلسة الخامسة من المؤتمر آخر الجلسات المخصَّصة لعرض الأوراق البحثية قبل جلسة النقاش العامّ، وكان موضوع المسار الأوّل من الجلسة "قضايا الأصالة والمعاصرة في الفكر السياسي الإسلامي الحديث"، وركّزت الأوراق على نقاط التعارض والالتقاء بين الحداثة والتراث.

وقال الباحث السعودي توفيق سيف إنَّ سبب الأزمة التي يعاني منها الخطاب السياسي للحركات الإسلامية هو تعارض المفاهيم الأساسية للحداثة السياسية مع ما قد يقابلها من مفاهيم تراثية في الفقه الإسلامي، فمفهوم "الشعب" بوصفه موّلدًا للشرعية السياسية يقابله في التراث مفهوم "العامّة" التي ليس لها وزن، ومفهوم "الحقّ" القائم على الملكية المشتركة للوطن يلغيه في التراث الإسلامي مفهوم "التكليف" الذي لا شأنَ له بالحقوق. وقد استنتج في ورقته التي جاءت تحت عنوان "مكانة العامّة في التفكير الدينيّ"، أنّ هيمنة المنظور الفقهي في الخطاب السياسي الإسلامي المعاصر هو سبب أزمة الحركات الإسلامية وعلاقتها بحقوق الأقليّات وحقوق المرأة وغيرها.

وفي ورقته التي جاءت تحت عنوان "مفهوم الأمّة في الفكر العربي المعاصر"، قال الباحث الجزائري نوري دريس إنّ مفهوم "الأمّة" في السياق التراثي يتعارض تمامًا مع مفهومها في السياق الحداثي، ففي حين يشير المفهوم الحديث إلى البناء السياسي والقانوني والأخلاقي، فإنّ هذا المفهوم لا يزال يشير في العالم العربي إلى متخيّل يوتوبي ماضوي مستحيل التحقّق ويعتمد على عناصر تجاوزتها الحداثة مثل الدين واللغة والماضي المشترك والعرق.

وقد ختم الباحث القطري نايف الشمري المسار بورقةٍ بحثية جاءت تحت عنوان "نحو إعادة بناء منهجية النظر في الفكر السياسي الإسلامي"، والتي ركّزت على الإشكاليات والموانع التي حالت دون انسجام الشريعة الإسلامية من حيث هي أصول ومقاصد مع الديمقراطية من حيث هي أداة عمل سياسي مجرّدة.

وقال الشمّري إنَّ جهد الإسلاميين عبر التاريخ ارتكز غالبًا على معالجة نتائج المنهجية الفقهية، وهذا الأمر يعني بالضرورة إيجاد حلولٍ ذات طابع مرحلي مؤقّت تنتهي بانتهاء مراحلها. وخلص الشمري إلى أنّ الفكر السياسي الإسلامي لم ينشغل بمعالجة المقدّمات الأساسية التي أدّت إلى النتائج، بل انشغل بالنتائج التي هي بنْت زمانها ومكانها.