نظم المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الفترة 22-24 أيلول/ سبتمبر 2017 في مدينة الحمامات بتونس المؤتمر السادس لقضايا الديمقراطية والتحول الديمقراطي تحت عنوان "الجيل والانتقال الديمقراطي".

وتميز برنامج أعمال المؤتمر بكثافته، إذ ضم 12 جلسة للعروض إضافة إلى جلسة نقاشية عامة. وخُصصت أولى جلسات المؤتمر لمناقشة "مداخل مفاهيمية" عن "الجيل"، وكانت أولى المداخلات العلمية للباحث المنجي الزيدي، الذي تناول مفهوم الجيل وتطبيقاته في علم اجتماع الشباب. وانطلق الباحث من أن الجيل مصطلح "مفهوم رخو"، منتقدًا استخدامه في حدود مفهومه البيولوجي؛ إذ إنّ هذا يفتقد إلى الدقة الواجبة، منوهًا إلى ضرورة التمييز بين أنواع الجيل والوحدات الجيلية. وفي إجابته عن بعض القضايا النظرية المرتبطة بالمصطلح واستخداماته، أشار الزيدي إلى أن الجيل مفهوم عريق لكنّ حدوده غير ثابتة، فهو حدث اجتماعي مرتبط بالتطور الاجتماعي. أما مفهوم الجيل السياسي فيشير إلى وجود زمرة تتسم بوعي جيلي في مرحلة ما تقوم بعملية التعبئة السياسية تمهيدًا لإحداث التغيير على أن يتزامن ذلك مع وجود حدث مؤسس أو حدث مولد. وانتهى إلى أن العرب استعملوا مفهوم الجيل حديثًا، ولم يزل مشحونًا بدلالة أخلاقية وأدبية تثير التفاضل والتمايز بهذا المعنى الذي يبطن التنافس والصراع والخلاف.

أما الدكتور أحمد التهامي عبد الحي، فقد عمد في ورقته إلى تفنيد المقولات النظرية المرتبطة بالجيل، وعلاقة التفاعل المتبادل بين المتغير الجيلي وسياقات التغير السياسي والانتقال الديمقراطي. وتوصل في نهايتها إلى مجموعة من الخلاصات لعل أبرزها أنّ الجيل السياسي كمتغير مستقل لا يؤدي إلى تغيرات في الثقافة السياسية ويدفع بالمشاركة السياسية فحسب، وإنما أيضًا يمكن من خلاله دراسة التنمية السياسية والتحول الديمقراطي. وبيّن أن المتغير الجيلي يساهم في حدوث تغيرات سياسية واجتماعية كبرى، وإن كان في الأصل يعدّ ردّةَ فعل أو استجابةً للتغيرات المجتمعية والأحداث التأسيسية التي تخلق وعيًا وهويةً خاصّين بالجيل السياسي من دون أن يعني ذلك ظهور جيل أكثر ديمقراطية.

أما جابر القفصي، فقد عدّ "الجيل" حالة اجتماعيّة لا ترتبط بالضرورة بالفئة العمريّة، بل ترتبط بالمتغيرات الاجتماعية والسياسية التي قد تنتج أيديولوجيا شبابية حول قضية أو مسألة ما. وبهديٍ من التجربة التونسية، أكد القفصي أنّ المعطى التواصلي قد عوّض الوعي التنظيمي، الذي تبحث عنه الأحزاب السياسية، وأن الأيديولوجيا الشبابية عوضت الأيديولوجيا الأبوية، بينما الأيديولوجيا الفردية عوضت الأيديولوجيا العائلية، وأكد أن النزعة المساواتية المميزة للأيديولوجيا الشبابية عوضت من جهتها النزعة التراتبية.

وبحثت الجلسة العلمية الثانية موضوع "”الشباب التونسيون: اتجاهات جديدة بعد الثورة". وخصصت الجلسة الثالثة لموضوع "الشباب والحراك المغربي" والرابعة لموضوع "الشباب والحراك في المجال العام". 

وتناولت الجلسة الخامسة التي عقدت في اليوم الثاني للمؤتمر محور" شباب الإسلاميين: اتجاهات سياسية ". أشار خلالها الباحث محمود صلاح عبد الحفيظ إلى أن المقاربة القمعية والأمنية لم تكن كافية لفض الحركات الاحتجاجية في مصر وتهميش دور ناشطيها بل إن هذه المقاربة كانت مصحوبة بما اسماه المحاضر "فرص بنائية" تمثلت في افتعال أزمات سياسية واجتماعية (بعد 30 حزيران/ جوان) عندما نجحت السلطة وتحالفاتها في تأطير تلك "الفرص البنائية" لتصبح فرصا مدركة.

ونوه عبد الحفيظ إلى أن الصراع على الخطاب الوطني كان واضحا، فمن يملك إنتاج المعاني وإمكانية نشرها يتمكن من السيطرة والقبول العام بمشروعه ورؤيته. كما أوضح أنّ الدولة كانت جادة في الصراع على الخطاب، بل من أجل احتكاره، ووصل الأمر إلى حد تخوين كل من يعارضها أو يطالب بحقوق سياسية أو اقتصادية.

أما الدكتور محمد الجويلي، فقد حلّل علاقة الشباب التونسي بالظاهرة السلفية والتي وصفها بـ"الغامضة والملتبسة"، وخاصة في بعدها الإيماني والعقائدي والعنفي، انطلاقا من بحث ميداني شمل عينة 1200 من الشبان والشابات من الشريحة العمرية المتراوحة بين 18 و30سنة ينحدرون من منطقة تونس الكبرى.

ومن أهم الأسئلة التي طرحها الاستبيان ضمن هذه الورقة: ما حاجـة جيـل شـباب مـا بعـد الثـورة إلى نمط مـن التدين لم يكـن معهـودا هـو التديـن السـلفي؟ وقد بين من خلال إجابات المستجوبين أن 30 في المئة من شباب ولايات تونس الكبرى يرون أنّ الظاهرة السلفية في بعدها الإيماني العقائدي ملبية لحاجاتهم الدينية، ولكن في المقابل أصر الشباب المستجوب على رفض إقحام الظاهرة السلفية في الشأن السياسي. كما عبر أكثر مـن نصـف الشـباب المستجوب عـن موافقتهـم على ارتـداء الحجـاب في ريـاض الأطفال والمدارس الابتدائيـة.

وخلص الباحث إلى أن الظاهـرة السـلفية، مـن حيـث هـي شـكل مـن أشـكال إعـادة بنـاء الروابـط الاجتماعيـة، وجدت قبـولًا لدى الشـباب، خاصة في ظـل ضعـف مؤسسـات التنشـئة الاجتماعية وهشاشـتها.

وحاضر الباحث المصري ياسر فتحي محمد حول اتجاهات الإخوان المسلمين في مصر، وبيّن طبيعـة التكويـن داخـل الجامعـة المصرية ودرجـة الاهتمام بالتكويـن السـياسي، وحاول الإجابة عـن عـدة أسـئلة فرعيـة، منهـا مـا تعلـق بتمايـز اتجاهـات شـباب الجماعة مـن مواقفها الرسـمية. وتسـاءل عـن صـور التغير الحاليـة في اتجاهـات شـباب الجماعـة. كما لاحظ غياب التنشئة السـياسية لشباب الجماعة، والتمايز التدرجـي الـذي نشـأ بين اتجاهـات الشـباب ومواقـف الجماعـة، وكيف أنه انتقل تدريجيا من التبني التام لمواقف الجماعة إلى التبني المتحفظ وصولا إلى التمايز الواضح.

وكشـف الباحث أيضا عن وجود أصوات شـابة حملت، مبكـرًا، أفكارًا ورؤى ناقدة للمسـار العـام الـذي اتخذتـه الجماعـة، وحصول تغير كبير في الاتجاهات الحاليـة مقارنة بالسـابقة، والتـي تعدت إعـادة تقييم المواقـف والأحداث، لتشـمل تقييـم الأفكار والـرؤى والعلاقـات التنظيميـة.

بحثت الجلسة السادسة موضوع "الشباب التونسيون وتساؤلات الانتقال". وطرح الباحث التونسي شاكر الحوكين إشكالية ثنائية "الشباب" و"الثورة"، ودور الشباب في مسار الثورة التونسية، وخلص إلى أن المقاربة الجيلية لا تكفي لوحدها لقراءة الثورة التونسية، وأن هذه المقاربة تعاني بدورها من نقائص في مسار تشكلها وغموض في مفاهيمها وتباين في تصوراتها.

وختم بالتأكيد على أنّ من يحاول إنكار دور الشباب في الثورة التونسية، فكأنما هو يحاول "سرقتها "، كما أن من يقول، في المطلق، أن هذه الثورة هي ثورة الشباب هو أيضا يحاول سرقتها والالتفاف عليها أو ركوبها، وأن مشاركة الشباب في الثورة، وإن بدت ظاهرة للعيان، فإنها كانت جزئية ولم تكن تحمل مشروعًا سياسيًّا معيّنًا.

بدوره، حاول الباحث حمزة المصطفى الوقوف على إشكالية العقدة الجيلية في الانتقال الديمقراطي من خلال التركيز على عملية بناء التوافقات السياسية أثناء فترات الانتقال مع الإشارة إلى التجربة التونسية بالضرورة، وكيف أن التوافقات السياسية التي تجري بين قوى تقليدية قديمة تحدّ من قدرة القوى الاجتماعية الجديدة على التعبئة ما يؤدي إلى إنتاج ديمقراطية مجمدة.

واستعرضت الباحثة صوفية حنازلة واقع الشباب التونسي بعد الثورة ضمن ثلاثة مستويات، اقتصادي، وأمني، وسياسي، وخلصت في نهاية مداخلتها إلى أن التوافقات في تونس لم تستطع الارتقاء بالمردود السياسي للأحزاب الحاكمة، حيث هُمّشت مشاركة الشباب في الحكومات المتتاليّة، وغُض الطرف عن ضرورة تلبية احتياجاتهم وشعاراتهم وتوقعاتهم من الثورة.

وشمل برنامج المؤتمر في يومه الثالث والأخير ثلاث جلسات لعرض الأوراق البحثية وجلسة ختامية نقاشية.