العنوان هنا
تقدير موقف 30 يوليو ، 2013

خطوات الاتحاد الأوروبي ضدّ الاستيطان الإسرائيلي

وحدة الدراسات السياسية

هي الوحدة المكلفة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بدراسة القضايا الراهنة في المنطقة العربية وتحليلها. تقوم الوحدة بإصدار منشورات تلتزم معايير علميةً رصينةً ضمن ثلاث سلسلات هي؛ تقدير موقف، وتحليل سياسات، وتقييم حالة. تهدف الوحدة إلى إنجاز تحليلات تلبي حاجة القراء من أكاديميين، وصنّاع قرار، ومن الجمهور العامّ في البلاد العربية وغيرها. يساهم في رفد الإنتاج العلمي لهذه الوحدة باحثون متخصصون من داخل المركز العربي وخارجه، وفقًا للقضية المطروحة للنقاش..

يقِيم الاتحاد الأوروبي ودوله المختلفة علاقاتٍ مع إسرائيل على المستوى الاقتصادي والسياسي؛ ويزداد التعارض بين هذين المستويين عامًا بعد آخر؛ فقد طوّر الاتحاد الأوروبي خلال العقود الماضية مستوى علاقاته الاقتصادية مع إسرائيل في مختلف المجالات ورفع منها، ووقّع معها سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية التي منحت إسرائيل "مكانة الدولة المفضّلة" في مجمل علاقاتها الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي. ولكن في المقابل، اتّسمت علاقات الاتحاد الأوروبي السياسية مع إسرائيل بالخلاف والتوتّر الناجميْن عن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للمناطق الفلسطينية المحتلّة في عام 1967، وأساسًا استمرار الاستيطان الإسرائيلي في الضفّة الغربية المحتلّة بما في ذلك في القدس الشرقية المحتلّة وتعاظم حجمه ووتيرته؛ بهدف تهويد أكبر مساحة من أراضي الضفّة الغربية المحتلّة تصل إلى 60 في المئة منها تمهيدًا لضمّها لإسرائيل. لقد أنشأت إسرائيل في الضفّة الغربية المحتلّة نظامًا كولونياليًّا استيطانيًّا أمنيًّا إداريًّا يعمل على تعزيز القوّة الاقتصادية للمشروع الاستيطاني الإسرائيلي وزيادة المنتوجات الزراعية والصناعية للمستوطنات الإسرائيلية، والتي تزداد نسبتها من مجمل الصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي عامًا بعد آخر.

وبات واضحًا للاتحاد الأوروبي أنّ علاقاته الاقتصادية مع إسرائيل تمنح المنتوجات الإسرائيلية، ولا سيّما منتوجات المستوطنات، وضعًا مفضّلًا ومميّزًا ومعفيًّا من الكثير من الضرائب، وتيسّر للمستوطنات والمشاريع الاستيطانية المختلفة عملية الحصول على مِنحٍ ومساعدات وجوائز ومشاريع استثمار من الاتحاد الأوروبي.

سنعالج في تقدير الموقف هذا خطوات الاتحاد الأوروبي العقابية ضدّ المستوطنات الإسرائيلية ومنتوجاتها. وسنقف على ردّة فعل الحكومة الإسرائيلية عليها، ومدى تأثير هذه الخطوات في سياسة إسرائيل الاستيطانية في المناطق المحتلّة.


تعليمات الاتحاد الأوروبي الجديدة بشأن المستوطنات

في أواخر حزيران / يونيو 2013، وزّعت المفوضية الأوروبية تعليمات إلى جميع دول الاتحاد الأوروبي تقضي بحظر تمويل المستوطنات الإسرائيلية المقامة في المناطق الفلسطينية والسورية المحتلّة في عام 1967، أو الاستثمار فيها، أو تقديم منحٍ لها وجوائز. وفي 19 تمّوز / يوليو، نشرت المفوّضية الأوروبية هذه التعليمات في صحيفتها الرسمية في وثيقة من أربع صفحات تشمل بين دفّاتها خمسة أقسام[1]؛ عالج القسم الأوّل منها المبادئ العامّة التي تستند إليها الوثيقة. في حين تطرّقت الأقسام الأربعة الأخرى بالتفصيل، إلى طريقة فرض عقوبات على المستوطنات الإسرائيلية في المناطق المحتلّة منذ عام 1967. وأوضحت الوثيقة أنّ هدف هذه التعليمات هو تأكيد عدم اعتراف الاتحاد الأوروبي بالسيادة الإسرائيلية على المناطق العربية التي احتلّتها إسرائيل في عام 1967؛ وذلك انطلاقًا من القانون الدولي، وتمشّيًا مع مواقف الاتحاد الأوروبي المتكرّرة بهذا الشأن. وأكّدت الوثيقة أنّ الاتحاد الأوروبي يعدّ الضفّة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزّة وهضبة الجولان، مناطقَ محتلّة، وأن ليس لإسرائيل سيادة عليها ولا على أيّ جزء منها، وأنّ هذه المناطق المحتلّة ليست جزءًا من إسرائيل. وبناءً على ذلك، أكّدت الوثيقة أنّ الاتحاد الأوروبي يعدّ جميع نشاطات إسرائيل وأعمالها المدنيّة في مختلف أنحاء المناطق المحتلّة في عام 1967، بما في ذلك القدس الشرقية وهضبة الجولان بعد أن ضمّتهما إسرائيل إليها، غير قانونيّة، وأنّه لا يعترف بأيّ تغييرات في حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 الإسرائيلية، سوى تلك التغييرات التي قد يتّفق عليها الأطراف في عملية السلام في الشرق الأوسط. وأشارت الوثيقة إلى أنّ تطبيق هذه التعليمات سيجري في الأوّل من كانون الثاني / يناير 2014، وإلى أنّ أيّ اتفاق يجري توقيعه في المستقبل بين إسرائيل والاتحاد الأوروبي أو أيّ دولة من دول الاتحاد الأوروبي، ينبغي له أن يتضمّن بندًا خاصًّا يؤكّد بصورةٍ واضحة لا يشوبها لبس ولا غموض، أنّ جميع المستوطنات الإسرائيلية في المناطق التي احتلّتها إسرائيل في عام 1967، ليست جزءًا من دولة إسرائيل. وبناءً عليه، فإنّ الاتفاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل لا تشملها.

وأوضحت بقية أقسام الوثيقة الأربعة بالتفصيل كيف يجري منع وصول مساعدات ماليّة أو جوائز واستثمارات من مؤسسات الاتحاد الأوروبي أو صناديقه إلى المستوطنات، وآليّته؛ فأشارت إلى أنّه على كلّ مؤسسة أو هيئة إسرائيلية ترغب في الحصول على دعمٍ من الاتحاد الأوروبي، أن تقدّم بيانًا يؤكّد أنّ جميع نشاطاتها تنحصر في داخل حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، وأن ليس لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة مع المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية والضفّة الغربية وهضبة الجولان. ويشمل ذلك جميع المؤسّسات والشركات الإسرائيلية الخاصّة والعامّة، والجمعيات والمنظّمات غير الحكومية، والمجالس البلدية، والمجالس الإقليمية، والبنوك. واستثنت التعليمات من هذا الحظر وزارات الحكومة الإسرائيلية التي توجد مقرّاتها في داخل الخطّ الأخضر، ولها نشاطات في المناطق المحتلّة. أمّا الوزارات الإسرائيلية التي توجد مقرّاتها في المناطق المحتلّة في عام 1967، ولا سيّما في القدس الشرقية (مثل وزارة القضاء)، فإنّ العقوبات تشملها. واستثنت التعليمات أيضًا منظّمات حقوق الإنسان الإسرائيلية التي تنشط في المناطق المحتلّة، والمنظّمات والجمعيات الإسرائيلية غير الحكومية التي تنشط في المناطق المحتلّة وتعمل من أجل تحقيق السلام.

تكمن أهمية هذه التعليمات في كونها تشير إلى تطوير الاتحاد الأوروبي سياساته المناهضة للاستيطان والاحتلال الإسرائيليّين للأراضي الفلسطينية المحتلّة خطوة إلى الأمام، وفي إمكانية أن تمثّل بداية لاتّخاذ خطوات عقوبات أخرى جدّية على إسرائيل لإرغامها على وقف الاستيطان في المناطق المحتلّة؛ فالاتحاد الأوروبي، وللمرّة الأولى، ينشر تعليمات واضحة ومفصّلة تفرض عقوبات على المستوطنات الإسرائيلية بصورةٍ رسميّة وملزمة. وإذا قرّر الاتحاد الأوروبي تطبيق هذه التعليمات بحذافيرها، وأقام الآليّة الناجعة لتنفيذها والتزمت دوله فعلًا بها، فإنّ ذلك سيمثّل بداية ضغط فعليّ من جانب الاتحاد الأوروبي على متّخذ القرار الإسرائيلي بشأن استمرار الاستيطان في المناطق المحتلّة.


وضع علامات تميّز منتوجات المستوطنات

دار في السنوات الأخيرة في أروقة المفوّضية الأوروبية، وفي أوساط قادة دول الاتحاد الأوروبي، نقاشٌ بشأن وضع علامات مميّزة على منتوجات المستوطنات الإسرائيلية التي تصدّرها إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي. وفي هذا السياق، أرسل 13 وزير خارجية في دول الاتحاد الأوروبي في 12 نيسان / أبريل 2013، رسالةً إلى كاثرين آشتون مفوّضة الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي أعربوا فيها عن تأييدهم للجهد الذي تبذله آشتون في صوغ تعليمات إلى جميع دول الاتحاد الأوروبي بشأن وضع علامات على منتوجات المستوطنات التي تستوردها دول الاتحاد الأوروبي، وتُباع في شبكات التسويق الأوروبية[2]. وفي الثامن من تمّوز / يوليو 2013 أرسلت كاثرين آشتون رسالةً إلى كبار المسؤولين في مفوّضية الاتحاد الأوروبي دعتهم فيها إلى اتّخاذ جميع الخطوات القانونية والإدارية من أجل وضع علامات مميّزة على منتوجات المستوطنات الإسرائيلية قبل انتهاء عام 2013. وأكّدت آشتون في رسالتها أنّ هناك علاقة بين موقف الاتحاد الأوروبي المعارض لإقامة مستوطنات إسرائيلية في المناطق المحتلّة، وضرورة ضمان عدم تصدير منتوجات المستوطنات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي كأنّها منتوجات من إسرائيل القائمة بالنسبة إلى الاتحاد في حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967[3]. وما يزيد من أهمية هذه الخطوة أنّها تتجاوب مع حملة المقاطعة غير الحكومية الناشطة في أوروبا ضدّ المنتوجات الإسرائيلية بصورةٍ عامّة ومنتوجات المستوطنات بصفة خاصّة، والتي تقودها مجموعة واسعة من الفعاليات التي تشمل جمعيّات التضامن مع الشعب الفلسطيني والنقابات العمّالية والطلّابية ونقابات المستهلكين التي تدعو إلى مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية بسبب استمرار الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، والتي باتت تحقّق نجاحات ملموسة في هذا المجال.


ردّة فعل الحكومة الإسرائيلية

أثارت قرارات الاتحاد الأوروبي المحدودة والمهمّة في الوقت نفسه، حفيظة الحكومة الإسرائيلية التي تريد الاستمرار في التمتّع بعلاقات الدولة المفضّلة اقتصاديًّا مع الاتحاد الأوروبي، ليس فقط وفق حدود الرابع من حزيران 1967، وإنّما أيضًا وفق حدود احتلالها التوسّعي الذي يشمل القدس الشرقية والضفّة الغربية وقطاع غزّة وهضبة الجولان؛ فإسرائيل تصرّ على التعامل مع مشروعها الكولونيالي الاستيطاني في المناطق المحتلّة كجزء منها، وتعمل على فرض ذلك على الاتحاد الأوروبي في ما يتعلّق بعلاقاتها الاقتصادية معه. وفي هذا السياق، تحاول الحكومات الإسرائيلية ولا سيّما حكومة نتنياهو الخلط بين الواقع القانوني والسياسي لمشروعها الاستيطاني في المناطق المحتلّة، وبين إسرائيل في ما قبل الاحتلال عام 1967. وتدّعي أنّ من يعارض الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلّة ويرفض أصلًا شرعيته ويدعو لإزالته وإلى فرض عقوبات على الاستيطان وعلى إسرائيل كدولة تحتلّ أرض الغير وتستوطنها منذ عام 1967، كأنّه يدعو إلى إزالة إسرائيل ومعادٍ للساميّة وليس للاحتلال والاستيطان الإسرائيلي الذي حصل منذ عام 1967. وأجرى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو سلسلةً من الاتّصالات مع عددٍ كبير من قادة دول الاتحاد الأوروبي ومع رئيس المفوّضية الأوروبية ومع مفوّضية العلاقات الخارجية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون بغرض إلغاء هذه القرارات أو تأجيلها، لكنّ محاولاته باءت بالفشل؛ إذ لم يقتنع قادة الدول الأوروبية بالذرائع الواهية الممجوجة التي طرحها نتنياهو، والتي تدّعي أنّ أيّ عقوبات على المستوطنات أو على إسرائيل تضرّ بالمفاوضات مع الفلسطينيين، وتضرّ بما يطلَق عليه العملية السلمية بين إسرائيل والفلسطينيين، وأنّها تحاول أن تفرض على إسرائيل حدودًا دائمة من خلال ممارسة ضغط عليها، وأنّه ثمّة مشاكل كثيرة في الشرق الأوسط أكثر حاجة إلى المعالجة من القضية الفلسطينية، ومن استمرار الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية والسوريّة. وتجاهل نتنياهو أنّ الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي الكولونيالي في المناطق الفلسطينية والسوريّة التي احتلّتها إسرائيل في عام 1967، يتناقضان مع القوانين الدولية ومع قرارات هيئة الأمم المتحدة والمؤسّسات الدولية الأخرى ومع عشرات القرارات التي اتّخذها الاتحاد الأوروبي، وأنّ هذا الاستيطان هو جريمة حرب وفق القانون الدولي، وأنّ إسرائيل هي التي تسعى بواسطة الاستمرار في الاستيطان وتحت غطاء المفاوضات والحديث عن المسيرة السلميّة، إلى خلق أمرٍ واقع جديد في الأراضي المحتلّة، وفرضه بغرض توسيع حدودها في أكبر مساحة ممكنة من الضفّة الغربية المحتلّة، ولمنع إقامة دولة فلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، وفق حدود الرابع من حزيران 1967. وهو يطلب أن يتعامل العالم معها كأمور طبيعية.

في الوقت الذي أجرى نتنياهو اتّصالاته مع قادة الدول الأوروبية، أشارت مصادر إسرائيلية إلى أنّ الحكومة الإسرائيلية تعدّ رزمة من الخطوات ضدّ الاتحاد الأوروبي في حال عدم تراجعه عن خطواته. وفي أعقاب نشر الاتحاد الأوروبي تعليماته العقابيّة في 19 تمّوز / يوليو بشأن المستوطنات، أصدر وزير الأمن الإسرائيلي موشيه يعلون، بعد مشاورات مع نتنياهو، أمرًا للمؤسّسة العسكرية الإسرائيلية بوقف التعاون مع مندوبي الاتحاد الأوروبي في الضفّة الغربية المحتلّة، والعمل على وقف المساعدات التي يقدّمها الاتحاد الأوروبي للمشاريع الاقتصادية الفلسطينية في "منطقة ج" في الضفّة الغربية المحتلّة التي تبلغ مساحتها نحو 60% من مساحة الضفّة الغربية، والتي تعمل إسرائيل على استمرار الاستيطان فيها وتتطلّع إلى ضمّها إليها، وكذلك عرقلة دخول مندوبي الاتحاد الأوروبي إلى قطاع غزّة وخروجهم منه[4]. ومن الصعب على إسرائيل الاستمرار في تنفيذ هذه الخطوات "العقابية" لفترة طويلة ضدّ نشاط الاتحاد الأوروبي في المناطق الفلسطينية المحتلّة؛ لأنّ إسرائيل تدرك جيّدًا أنّ الاتحاد الأوروبي يملك القدرة على فرض عقوبات جدّية ومؤلمة ضدّ الاستيطان الإسرائيلي في المناطق المحتلّة وضدّ إسرائيل نفسها، إذا ما قرّرت إسرائيل الدخول فعلًا في مواجهة "كسر عظم" في هذه المسألة. وبهذه الخطوات ضدّ نشاط الاتحاد الأوروبي في المناطق المحتلّة، يبدو أنّ إسرائيل تريد الدخول في مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي من أجل تأجيل تطبيق هذه التعليمات أو التخفيف منها، تحت غطاء مبرّرات واهية مثل استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين.


الخاتمة

لقد جاءت تعليمات الاتحاد الأوروبي المتواضعة والمهمّة في الوقت نفسه بمنع حصول المستوطنات على مساعدات الاتحاد الأوروبي، وبوضع علامات على منتوجات المستوطنات في شبكات التسويق في أوروبا، والتي سيجري تنفيذها في الأوّل من كانون الثاني / يناير 2014، متأخّرة جدًّا. فقد عدّ الاتحاد الأوروبي دومًا المستوطنات الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية والسورية المحتلّة غير شرعيّة، وتتناقض مع القانون الدولي ومع قرارات الأمم المتّحدة ومع عشرات القرارات التي أصدرها الاتحاد الأوروبي نفسه. وكذلك كان دومًا واضحًا للاتحاد الأوروبي أنّ الاستيطان الإسرائيلي يتناقض مع تفسيره اتفاقيات أوسلو، وأنّ توسيعه المتواصل يضع حدًّا لإمكانية إنشاء دولة فلسطينية في المناطق الفلسطينية المحتلّة في عام 1967. بيد أنّ كلّ ذلك لم يمنع الاتحاد الأوروبي من توقيع اتفاقيات اقتصادية مهمّة مع إسرائيل تساهم مساهمة كبيرة في تعزيز قوّة إسرائيل، وتعزيز الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي - ولا سيّما اتّفاق التجارة الحرّة الموقّع بين الجانبين في عام 2004، وذلك من دون اشتراط وقف الاستيطان الإسرائيلي فضلًا عن إزالته وإزالة الاحتلال الإسرائيلي برمّته من المناطق العربية المحتلّة عام 1967؛ كما قبل الاتحاد الأوروبي طوال العقود الماضية تهميش دوره السياسي في ما يسمّى "العملية السلمية"، علمًا أنّه يملك أوراق ضغط مهمّة للغاية على إسرائيل إذا ما قرّر استعمالها، بخاصّةً أنّ إسرائيل تعتمد بالدرجة الأولى في مجمل علاقاتها الاقتصادية وتجارتها الخارجية على الاتحاد الأوروبي.

لقد استخفّت إسرائيل حتّى الآن بالموقف السياسي الأوروبي بخصوص القضية الفلسطينية؛ لأنّ الاتحاد الأوروبي قبل منها ذلك، وإن كان على مضض، واتّبع معها حتّى الآن سياسة الإرضاء وتقديم المساعدات والتسهيلات؛ ففهمت إسرائيل من ذلك أنّ بإمكانها الاستمرار في الاستيطان والاحتلال والاستفراد بالفلسطينيين والبطش بهم من دون أن يتّخذ الاتحاد الأوروبي عقوبات ضدّها.

تكمن أهمّية الخطوات التي اتّخذها الاتحاد الأوروبي في أنّها تشير إلى إمكانية بدء مرحلة جديدة وجدّية في تعامل الاتحاد الأوروبي مع الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي. ولكن هذه العقوبات ضدّ المستوطنات لا تكفي إطلاقًا للتأثير في وقف إسرائيل الاستيطان، ولا في ازدياد الاستيطان واستفحاله؛ فالاتحاد الأوروبي يستمرّ في استيراد منتوجات المستوطنات، وإن لم يمنحها الإعفاءات الضريبية. وما قد يؤثّر بصورةٍ فعّالة في سياسات إسرائيل الاستيطانية هو: أوّلًا، مقاطعة منتوجات المستوطنات كلّية، وعدم السماح لها بدخول دول الاتحاد الأوروبي؛ فهي منتوجات مستوطنات غير شرعية قائمة في الأراضي المحتلّة والمصادرة عنوةً من اًصحابها الشرعيّين الفلسطينيين. ثانيًا، مقاطعة المستوطنين أنفسهم، بما في ذلك منعهم من دخول الاتحاد الأوروبي، وهذا أمر ليس من الصعب تنفيذه بتاتًا؛ فأسماء المستوطنين وعناوينهم منشورة علنًا في أماكنَ كثيرة، ولا سيّما في سجلّ الانتخابات. ثالثًا، التوضيح لإسرائيل بصورةٍ لا غموض فيها أنّ وقت إزالة الاحتلال والاستيطان قد حان، وأنّ استمرار تمتّع إسرائيل بالاتفاقيات الاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي مرهون بوقف الاستيطان تمهيدًا لإزالته هو والاحتلال.

 وفي النهاية، على الرغم من أهمية الخطوات التي أُعلنت، من الجدير ذكر أنّه لم نرَ مبادرة عربية جدّية واحدة لإحياء حملة المقاطعة ضدّ إسرائيل، ولتشجيع مبادرات المقاطعة الشعبية القائمة. كما لم نلاحظ محاولات عربية للترويج لنموذج الخطوات الأوروبية هذه في دولٍ أخرى مثل الولايات المتحدة وروسيا اللتين لا يردعهما رادع في علاقاتهما مع إسرائيل.


 

[1]  الوثيقة التي نشرتها صحيفة هآرتس بنصّها الأصلي في اللغة الإنجليزية بتاريخ 16/7 /2013،

"Commission Notice, Guidelines On the eligibility of Israeli entities and their activities in the territories occupied by Israel since June 1967 for grants, prizes and financial instruments funded by the EU from 2014 onwards",

http://www.haaretz.co.il/news/politics/.premium-1.2073678.

[2]  براك رفيد، "نصف دول الاتحاد الأوروبي تؤيّد وضع علامات على منتوجات المستوطنات"، هآرتس، 20/ 4/2013، على الرابط:

http://www.haaretz.co.il/news/politics/1.1998882

[3]  براك رفيد، "الاتحاد الأوروبي يعتزم وضع علامات على منتوجات المستوطنات في شبكات التسويق قبل نهاية 2013"، هآرتس، 23/7/2013، على الرابط:

 http://www.haaretz.co.il/news/politics/.premium-1.2078564

[4]  عاموس هارئيل، "في أعقاب مقاطعة المستوطنات: يعلون أمر بوقف التعاون مع الاتحاد الأوروبي" هآرتس، 26/7/2013، على الرابط:

 http://www.haaretz.co.il/news/politics/1.2081595