مقدمة
على الرغم من مرور أكثر من أسبوعين على الانتخابات الرئاسية الأميركية التي جرت في الثامن من تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، فإنّ النقاشات المستفيضة حول نتائجها لا تزال مستمرة، خصوصًا أنّها حملت مفاجأة من العيار الثقيل تمثّلت بفوز قطب العقارات الجمهوري دونالد ترامب على الديمقراطية هيلاري كلينتون. وتكمن المفارقة في أنّ أغلبية استطلاعات الرأي بقيت تشير إلى فوزٍ كبير لمصلحة كلينتون حتى ظهور النتائج الحاسمة. وهو الأمر الذي أثار كثيرًا من الشكوك حول صدقية مؤسسات سبر الآراء والنماذج Models التي تطبقها. ترتَّب على نتيجة الانتخابات تداعيات أخرى كبيرة أيضًا؛ فبعد أن كان يُعتقد أنّ الحزب الجمهوري يعيش أزمة هوية جراء صعود نجم الشعبويين فيه، انتهى الأمر إلى أزمة هوية يعيشها الحزب الديمقراطي بعد خسارته ولاياتٍ وشرائحَ مجتمعية محسوبة عليه تاريخيًا، كانت هي السبب الأساس في خسارته الانتخابات. ولا يعني ذلك أنّ أزمة الهوية في الحزب الجمهوري قد انتهت، ولكنّها أشد وضوحًا الآن في الحزب الديمقراطي الذي يعيش وقع صدمة الخسارة غير المتوقعة وأسبابها، خصوصًا أنّها ترافقت مع انتصارٍ كبير للجمهوريين في مجلسي النواب والشيوخ، وهو ما يعني سيطرتهم على فروع الحكومة الثلاثة التنفيذية والتشريعية والقضائية، إذ سيكون بإمكان ترامب الفوز بالمقعد الفارغ في المحكمة العليا، وربما تتاح له فرصة الحصول على مقاعد أخرى في المستقبل البعيد، بما يضمن سيطرة المحافظين على هذه المحكمة لعقود مقبلة.
سنناقش في هذه الورقة مفارقات هذه الانتخابات التاريخية، فضلًا عن أسباب نجاح ترامب وهزيمة كلينتون، والتداعيات المحتملة لهذه النتائج.