العنوان هنا
مقالات 28 أغسطس ، 2012

هجوم سيناء.. من سيدفع الثّمن؟

الكلمات المفتاحية

خالد وليد محمود

يشغل خالد وليد محمود وظيفة باحث مساعد في المركز العربيّ للأبحاث ودراسة السّياسات. وكان قد عمل محرّرًا ومشرفًا في قسم الأخبار في "ياهو – مكتوب". وتركّز أبحاثه على دراسة النّشاط السياسي عبر الإعلام الرقميّ والمواقع الاجتماعية. عمل خالد محمود أيضًا باحثًا في عدّة مشاريع أكاديميّة، مثل برنامج "سيفيتاس" لقياس الرّأي العامّ لدى فلسطينيّي المهجر؛ كما اشتغل باحثًا مع البروفيسور ناثان براون، في دراسة المشاركة السياسيّة لحركة الإخوان المسلمين في الأردن. ونُشرت له عدّة مقالات في دوريّات محكّمة وفي الصّحف الإلكترونية والمطبوعة. وله عدد من المؤلفات: شبكات التّواصل الاجتماعي وديناميكية التّغيير في العالم العربيّ (2011)، آفاق الأمن الإسرائيلي: الواقع والمستقبل (2007)، مراكز البحوث في الوطن العربي (2013)، قلاع اللغة العربية ورياح الثورة الإعلامية (2013). وهو حاصل على البكالوريوس في العلوم السّياسية ودرجة الماجستير في العلاقات الدّولية من الجامعة الأردنيّة.

أحدثت العمليّة الإرهابيّة التي استهدفت نقطة أمنيّة مصريّة يوم الأحد 5/ 8/ 2012، وأسفرت عن مقتل 16 جنديًّا وضابطًا مصريًّا، صدمة لدى الرأي العامّ المصري وأربكت القيادة السياسيّة، والعسكريّة، والاستخباراتيّة، ليس فقط لأنّ ضحايا الحادثة الستّ عشرة فاجأهم الهجوم أثناء تناولهم الإفطار بعد صوم يومٍ رمضاني قائظ، بل لأنّ العمليّة بحدّ ذاتها تحاول خلط الأوراق واستثمار لحظة حرجة تعيشها مصر خصوصًا والعالم العربيّ عمومًا، ممّا جعل البعض خاصّة من  فلول النّظام المصريّ السابق يجد فيها فرصة لتصفية الحساب مع الرّئيس المصريّ محمّد مرسي والإخوان من جهة، ومع حركة حماس من جهةٍ أخرى، وقد تباينت ردود الفعل إزاء العمليّة والجهة المنفّذة، وتوزّعت الاتّهامات بين حماس والفلسطينيّين، وبين الموساد والأجهزة الاستخباريّة الإسرائيليّة، إلى جانب الحركات الجهاديّة والمتطرّفة التي تتّخذ من سيناء ملاذًا لها.

على الرّغم من فداحة الخسارة التي تكبّدها الجيش المصريّ بمقتل 16 جنديًّا من حرس الحدود، إلّا أنّ العمليّة أظهرت صورة للرّئاسة المصريّة طالما رغب فيها المصريّون. فالخطوة التي أظهرت مرسي قويًّا هي أنّه لم ينتظر طويلا، حتّى أطاح بمسؤولين عسكريّين وسياسيّين وأمنيّين فشلوا في منع وقوع الكارثة.

وكما في الدول الديمقراطيّة، أظهر الرّئيس المصريّ - المنتخب ديمقراطيًّا - ما كان المصريّون يبحثون عنه دائمًا. فمن يخطئ أو يقصّر عليه أن يتحمّل النّتائج.

إنّ القول إنّ مرسي ينجح حتّى الآن في امتصاص صدمة المصريّين، له وجاهته. وإن كان حقًّا في جعبته المزيد من الإجراءات الالتفافيّة على ما يعتقده أنّه مكيدة دبّرت له ولجماعته بليل، فإنّه سيكون بذلك قد عزّز من مكانته كرئيس قويّ، لا كما ظنّ البعض أنّه دمية في يد العسكر.

وعلى الرّغم من أنّ السّؤال عن هويّة مدبّري الحادث ومنفّذيه سيبقى مفتوحًا، إلّا أنّ الإجابة عنه لن تكون أساسيّة في هذه المرحلة الحاسمة في التاريخ المصريّ، بل والعربيّ.

أمّا لماذا ليست حاسمة، فلكون من يتّهم حركة حماس سيبقى على موقفه، كما أنّ من يتّهم إسرائيل سيبقى هو الآخر على موقفه، أمّا من يقفون في المنطقة الرماديّة فإنّهم في انتظار مزيد من الإجراءات الرئاسيّة التي تكفل عدم نجاح العمليّة في تحقيق أهدافها، وهي نقطة - هي الأخرى - في صالح الرئيس المصريّ حتّى اللّحظة.

لكن ماهي أهداف العمليّة؟ وهل يمكن اعتبار الإجراءات التي اتّخذتها مصر وإسرائيل على حدودهما مع قطاع غزّة من أهداف العمليّة؟

تقول القوى السياسيّة المصريّة إنّ من قام بالعمليّة يدرك مسبقًا أنّ نتائجها الأوليّة ستكون وخيمة على الشّعب الفلسطينيّ في قطاع غزّة.

لكن هذا ليس كلّ شيء في الحقيقة، فالثوّار اليوم يتقدّمون بشكلٍ جادّ أكثر من تعزيز قناعة المصريّين بأنّ معاهدة كامب ديفيد أصبحت عبئًا عليهم بالكلّية، ومن هنا يمكن الإشارة إلى أنّه وفي مقابل عودة حصار قطاع غزّة سُمعت أصوات حادّة مقرّبة تاريخيًّا من الرّئاسة المصريّة تدعو إلى تعديل معاهدة السّلام مع إسرائيل أو على الأقلّ تعديل الملحق الأمنيّ فيها، بما يسمح بزيادة القوّات المصريّة في سيناء على الحدود مع إسرائيل وبزيادة تسليح هذه القوّات، وهي خطوة إن تحقّقت لن تكون بالتأكيد لصالح إسرائيل المتخوّفة من اقتراب مصريّ من المعاهدة ممّا يفتح شهيّتها لاحقًا إلى مزيدٍ من الاقتراب. فهل نحن أمام بناء عتبات تأسيسيّة للتقدّم جدّيًّا نحو تعديل كامب ديفيد؟ علمًا وأنّ التّصريحات الأولى للرّئيس المصري كانت في تعهّده بالسّيطرة على سيناء.

على الصّعيد العمليّاتي، لم تخسر إسرائيل شيئًا، فالمهاجمون قتلوا جنودًا مصريّين، والخسائر كانت مصريّة، والإخفاق العسكريّ والأمنيّ الذي أظهر عدم قدرة القوّات المصريّة على حماية جنودها كان إخفاقًا مصريًّا كذلك، ثمّ إنّ التّداعيات المفترضة للعمليّة يُراد لها أن لا تخرج من الدّائرة المصريّة.

لم يقنع أحد بتحريك "مجاهدين عالميّين" لعربتين واختراقهما الحدود إلى الأراضي الفلسطينيّة المحتلّة، حيث كانت تنتظرهما في الأعلى طائرة إسرائيليّة، وفي الأسفل تجهيزات على الأرض فتمّ تدمير العربتين وقتل من فيهما.

سيناريو العمليّة ذاتها يدفع إلى السّؤال عن سرّ قتل إسرائيل لكلّ "المجموعة الإرهابيّة" على الرّغم من قدرتها على الإبقاء عليهم أحياء للتّحقيق معهم ومعرفة من وراءَهم على الأقلّ. لكن هل كانت إسرائيل تعرف مسبقًا من وراء العمليّة فقتلت الشّاهد عليها؟

ما يزيد من ارتباك رواية العمليّة ما ذكرته صحيفة "هاآرتس" الإسرائيليّة استنادًا إلى مصادرها فإنّ جهاز الأمن العامّ الإسرائيليّ "الشاباك" أرسل للأجهزة الأمنيّة المصريّة معلومات خطيرة للغاية تفيد بوجود مسلّحين بالقرب من الحدود المصريّة - الإسرائيليّة المشتركة، وأنّ حركة غريبة لعربات في المنطقة، أصدر على إثرها "الشاباك" تعليمات للجيش الإسرائيليّ بزيادة أعداد جنوده وأخذ المزيد من الحيطة والحذر.

كانت أضخم نتائج العمليّة في غزّة التي عاد إليها الحصار مجدّدًا بعد شهر عسل رفع فيه الغزاويّون من آمالهم بحقبة مرسي. سيّما أنّ هذه العمليّة تعدّ الأشدّ وقعًا على المصريّين بعد تفجيرات شرم الشّيخ في يوليو/تمّوز عام 2005، التي أودت بحياة 67 شخصًا معظمهم من المصريّين، وتسبّبت في إصابة 200 شخص، واتّهم فيها أفراد من منظّمة أطلق عليها تنظيم القاعدة في بلاد الشّام وأرض الكنانة.


سيناء ما بعد الثّورة

لقد سبقت هذه العمليّة في مصر ما بعد الثّورة سلسلة عمليّات وتفجيرات منها تفجير خطّ تصدير الغاز لإسرائيل والأردن، والهجمات المتكرّرة على المراكز الأمنيّة، وحوادث خطف السيّاح، وشهدت منطقة العريش في 29 حزيران /  يوليو 2011 هجوما من مسلحين على مركز للشرطة المصرية بعد إعلانهم الدعوة إلى إقامة إمارة سيناء الإسلامية، مثيرين جوًا من الرعب  في المنطقة. وبحسب المعطيات فقد تصاعدت وتيرة الهجمات المسلّحة على قوّات حرس الحدود المصريّة في شمال سيناء التي تجاوز عددها 28 هجومًا، خلال فترة وجيزة لا تتجاوز بضعة أشهر، من بينها أكثر من هجوم منظّم على أقسام الشّرطة. وتبدو كثافة الهجمات ونوعيّة التّسليح المستخدم فيها كاشفة عن تحوّلات نوعيّة تضاعف مخاطر الوضع الأمنيّ الهشّ في تلك المنطقة الحدوديّة. وثمّة هجمات صاروخيّة متكرّرة تجاه أهداف داخل سيناء وعلى الحدود المصريّة- الإسرائيليّة، انطلاقًا من الأراضي المصريّة، والتي كان أبرزها إطلاق صواريخ غراد العابرة للمدن التي سقطت في منطقة الريسان وسط سيناء في يوليو الماضي، والتي لم يُكشف عن أطرافها المدبّرة والمنفّذة بما يؤكّد اختلال التّوازن الأمنيّ، وأنّ أطرافًا متعدّدة بدأ نشاطها في التّصاعد مع اختراق الحدود بين مصر وقطاع غزّة. وتضاعف عمليّات التّهريب عبر الحدود بين مصر وقطاع غزّة، وتهريب الأسلحة عبر الأنفاق، إثر الفراغ الأمنيّ في شبه جزيرة سيناء، والتّهديدات الأمنيّة التي تصاعدت وتيرتها بعد الثّورة، لاسيّما في ظلّ تصاعد نشاط التّنظيمات الإرهابيّة المرتبطة بتنظيم القاعدة، مثل تنظيم "أنصار الجهاد". ونذكر أنّه في يوليو / تمّوز سنة 2012 الذي سجّل وقوع عمليّات إرهابيّة استهدفت جنودًا مصريّين في شهر بدأت بمقتل مجنّدين وإصابة ضابط وأربعة من أفراد الشّرطة المصريّة في هجوم مسلّح على نقطة أمنيّة في منطقة وادي فيران في محافظة جنوب سيناء. وفي الشّهر ذاته قُتل جنديّان مصريّان في مدينة الشّيخ زايد أثناء وجودهما في دوريّة في المدينة، عندما تعرّضا لإطلاق النّار على يد ملثّمين من البدو يستقلّان درّاجة ناريّة، كما اختطف بدو من شمال سيناء في ذات الشّهر سائحين أميركيّين ومرشدهما المصريّ، وطالبوا بإطلاق قريب لهم تحتجزه السّلطات، مقابل الإفراج عنهم، وفي يناير / كانون الثاني سنة 2012 تمّ تنفيذ عمليّة فندق طابا التي استهدفت مجموعة من السيّاح الإسرائيليّين، ولكنّها لم توقع إصابات.

وشهد شهر آب / أغسطس 2011 مقتل خمسة أفراد من قوات الأمن المركزيّ في سيناء، ثلاثة منهم  في اشتباك مع مجموعة مسلحة واثنان قتلا في قصفٍ من طائرة إسرائيليّة استهدفت مسلّحين يعتقد أنّهم شاركوا في هجمات بإيلات أوقعت قتلى إسرائيليّين.

ووقعت هذه العمليّة بعد هدوء نسبيّ لسيناء بدأ في ربيع عام 2006، واستهدفت سلسلة تفجيرات منتجع دهب في جنوب سيناء تبنّتها جماعة تطلق على نفسها اسم "التّوحيد والجهاد"، وقبلها جرت عمليّة تفجيرات طابا في أكتوبر/تشرين الأوّل عام 2004 التي راح ضحيّتها 34 قتيلًا.

لكن، لا تحمل أيّ من هذه العمليّات في طيّاتها صدى العمليّة الحاليّة، وذلك لمعطيات موضوعيّة عديدة أبرزها سقوط هذا العدد من العسكريّين المصريّين خلال جلوسهم على مائدة الإفطار في يومٍ رمضانيّ قائظ، خاصّةً في ظلّ النّزعة المتجدّدة للمصريّين في الافتخار بجيشهم، إضافةً إلى أنّها أوّل اختبارٍ من نوعه لمصر ما بعد الثورة، كما أنّها أوّل اختبار من نوعه لحكم الإسلاميّين مصر، وهي الاختبار الأوّل الحقيقيّ للمجلس العسكريّ المصريّ الذي ما زال يراه الشّعب الحاكم الفعليّ للبلاد، وهو ما فرض على المجلس فيما يبدو اتّخاذ المظهر العسكريّ الأقصى لجنازة الجنود الضّحايا.


سيناء..."الممرّ" والخاصرة الرّخوة

يتنازع اليوم الطّرفان - المصريّ والإسرائيليّ - لإثبات أنّ سيناء قنبلة موقوتة ستنفجر يومًا في وجهه. فقد اعتادت إسرائيل منذ كامب ديفيد على الادّعاء أنّ سيناء هي الخاصرة الأشدّ رخاوة بالنّظر إلى كامل حدودها مجتمعة، إلّا أنّ إجراءاتها على الأرض كانت على الدّوام تعبّر عن كون سيناء تهديدًا لمصر وليست لها.

حصل المصريّون اليوم على مزيد من الشّواهد بأنّ سيناء بمعطياتها الحاليّة خاصرتهم الرّخوة ومصدر إزعاج أمنيّ وعسكري بل واقتصاديّ أيضًا، وأنّ عليهم اتّخاذ خطوات جادّة لتأمينها، ومن هذه الخطوات إجراء تعديلات على معاهدة كامب ديفيد.

فسيناء قبل الثورة وبعدها، كانت مسرحًا وملاذًا للجماعات الإرهابيّة والأصوليّة المتطرّفة التي كانت بالنّسبة إليها تربة خصبة لنموّها وتكاثرها  فضلًا عن الدّور التاريخي لهذه المنطقة، بوصفها بوّابة لتهريب السّلع والأفراد والسّلاح والمخدّرات إلى تجارة الرّقيق والإرهاب مرورًا بالمهاجرين واللّاجئين الأفارقة. وطالما شكّلت سيناء "كوريدورًا"(ممرًّا) رخوًا، جعل الجماعات المتطرّفة  تتحرّك وبسهولة إلى شرم الشّيخ والعقبة وإيلات وطابا.

من أجل ذلك، لا بدّ وأن تكون الدّروس المستخلصة من هذه العمليّة مغايرة لمثيلتها إبّان حكم الرّئيس المصريّ المخلوع سواء للجانب المصريّ أو الجانب الإسرائيليّ خاصّةً إذا نجح الحراك الشعبيّ في إعادة فتح معبر رفح سريعًا.


تابو كامب ديفيد

من بين أبرز السّيناريوهات التي يرسمها المحلّلون الإستراتيجيون في مصر هي الدّعوات المطالبة بتعديل معاهدة كامب ديفيد لرفع جاهزيّة الجيش المصريّ في سيناء بصورةٍ أعلى ممّا هي عليه اليوم، ما يعني تجرّؤ المصريّين للاقتراب من تابو المعاهدة، وينفي عنها في عيونهم الخوف من الاقتراب من المعاهدة رسميًّا على الرّغم من الحضور الأميركيّ الطّاغي على مشهد المنطقة.

يتحدّث المحلّلون المصريّون والصّحف المصريّة اليوم عن معاهدة كامب ديفيد ويدعون إلى ضرورة تعديلها، سيّما أنّ هذه المعاهدة  تقيّد حركة القوّات المسلّحة المصريّة في مساعيها للتصدّي للتحدّيات الأمنيّة في سيناء. ومعروف أن معاهدة كامب ديفيد تقسم سيناء إلى ثلاث مناطقَ:

المنطقة (أ): وهي شريط يمتدّ على طول الضفّة الشرقيّة لقناة السّويس من الشّمال إلى الجنوب، ويسمح لمصر بأن تنشر فيها قوّة لا تزيد على 22 ألف فرد، وتشمل ثلاثة ألوية مشاة ميكانيكي ولواء مدرّع وسبع كتائب مدفعيّة ميدان وسبع كتائب مدفعيّة مضادّة للطّائرات؛ وتشرف عليها لجنة تضمّ ثلاثة ضبّاط (مصري، وإسرائيلي وأميركي) للتأكّد من تعداد أفراد الجيش المصريّ وقطع الأسلحة المتّفق على عددها.

المنطقة (ب): وسط سيناء، وتوجد فيها أربع كتائب حرس حدود بأسلحة خفيفة ومركبات عجل (4 آلاف عنصر)؛

والمنطقة (ج): وهي المنطقة الملاصقة للحدود المصريّة الإسرائيليّة، ولا يُسمح فيها إلاّ بوجود قوّات حرس حدود بتسليح شخصيّ (بنادق آليّة للجنود، ومسدّسات للضبّاط) إلى جانب القوّات المتعدّدة الجنسيّات وخاصّة الأميركيّة.

ويُحْظَر على الطائرات الحربيّة المصريّة التحليق إلاّ في سماء المنطقة (أ) التي تبعد عن إسرائيل آلاف الأميال، كما يُحْظَر على مصر إنشاء أيّ مطار أو ميناء حربيّ في سيناء وحول شواطئها.

في حال توصّل الرئيس المصريّ إلى ما يدلّ على تورّط إسرائيل في العمليّة، فإنّ ذلك من شأنه أن يقلب المعادلات السياسيّة في المنطقة ليس لصالح إلغاء المعاهدة، وإنّما تخفيف ضغطها على رقاب المصريّين.

لا شك أن  البحث عن السيناريوهات المتوقّعة لنتائج العمليّة أمر ساذج أمام ما تحقّق منها حتّى اليوم. فقرار الرّئيس محمّد مرسي تعيين اللّواء محمد رأفت عبدالواحد شحاتة قائمًا بأعمال مدير المخابرات العامّة وإحالة اللّواء مراد موافي على المعاش، وتعيين رئيس آخر للشّرطة العسكريّة بدلا من اللّواء حمدي بدين، وتعيين اللّواء محمد أحمد زكي قائدًا للحرس الجمهوري، وإقالة كلّ من محافظ شمال سيناء اللّواء عبد الوهاب مبروك، ومدير أمن شمال سيناء اللّواء صالح المصري، وتعيين السّفير محمد فتحي رفاعة الطهطاوي رئيسًا لديوان رئيس الجمهوريّة، وإصدار تعليمات إلى اللّواء أحمد جمال الدين وزير الداخليّة بإحداث تغييرات مطلوبة ولازمة لتفعيل الأداء الأمنيّ في قطاع الأمن المركزي وأمن القاهرة، وشنّ الجيش المصريّ يوم الأربعاء 8/8/2012، عمليّة أمنيّة واسعة في سيناء لـ "تطهير" المنطقة من المجموعات التكفيريّة المسلّحة والسّيطرة على حال الانفلات الأمنيّ في شبه الجزيرة المصريّة، يبدو  أنّ هذه الخطوات تعدّ أهمّ النّتائج التي تحقّقت بالفعل، فمن شأنها أن تؤكّد للجهاز الأمنيّ وربّما للدّولة العميقة التي تعاني منها مصر ما بعد الثورة أنّه لم تعد لهم الكلمة الفصل والنهائيّة في البتّ في شؤون الدّولة الكبرى. وربّما تمثّل هذه القرارات نقطة تحوّل رئيسة في تاريخ مصر ما بعد الثّورة، لما قد يترتّب عليها من نتائجَ على الصّعيدين الدّاخلي والخارجيّ، وكما قلنا، لم تكشف هذه العمليّة عن حالة الفوضى الأمنيّة التي تعيشها سيناء وكونها بيئة خصبة لتمركز جماعات إرهابيّة وجماعات إسلاميّة متشدّدة فقط، وإنّما عن مدى قدرة الرّئيس المصريّ الجديد على اتّخاذ القرارات الصّعبة والحاسمة وقوّته.

وفي انتظار نتائج التّحقيق الرسميّة، وسواء أثبتت أنّ  منفّذي العمليّة ينتمون إلى جماعات إرهابيّة تتّخذ من سيناء ملاذًا لها وقامت بهذا الهجوم بدعم عناصرَ فلسطينيّة وتغافل إسرائيليّ أو حتّى بمساندة إسرائيليّة وباستعانة من داخل مصر، كلّ هذه الاحتمالات قد تضع  الرّئيس المصريّ محمّد مرسي  في حرجٍ أمام التيّارات الإسلاميّة وأمام الرّأي العامّ إذا ما تبنّى ردّ فعل قويًّا تجاه هذه الاحتمالات، ولا سيّما أنّ مرسي غير قادر على اتّخاذ تدابير بمفرده في ظلّ وضع قويّ للمجلس العسكري في ما يتعلّق بتأمين البلاد.

وعلى الرّغم من أنّ أحد أهمّ السّيناريوهات المتوقّعة للعمليّة على بشاعتها يبقى دقّ أحد المسامير المهمّة في نعش الدّولة "العميقة" في مصر، إلا أنّه ثمّة مصلحة وجد فيها مرسي فرصته  لتطهير الأجهزة الأمنيّة من بقايا النّظام السّابق ودون الصّدام مع المجلس العسكريّ أو مراكز القوى الأمنيّة في مصر، وبتنفيذ تصريحاته التي دعا فيها الجيش إلى الثّأر وتحكيم منطق الدّولة الإقليميّة الكبرى من خلال الردّ العسكريّ المباشر على الجهة المهاجمة، وملاحقة كلّ من شارك وخطّط ودبّر ونفّذ وأعطى الأوامر أو ساهم بأيّ شكلٍ من الأشكال في تلك العمليّة، والعمل على إعادة ترتيب المشهد الداخلي وتغيير السّياق الذي أنتج العدوان بشكلٍ يعكس وضع التّغيير لمصر ما بعد الثّورة، وبشكلٍ يليق بمكانتها الإقليميّة ويعزّزها.